لم تكد تمر أيام قليلة على توقيع اتفاق الإطار بين مجموعة 5زائد 1 وإيران حول ملفها النووي، حتى ظهر أوباما في مقابلته الصحافية مع توماس فريدمان ليقول ما فهم منه تشجيعاً على تدخل عسكري عربي في سوريا ضد نظام بشار الكيماوي. وثار الجدل حول ما إذا كان هذا التصريح يشكل تغييراً في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المشكلة السورية أم لا. وبالنظر إلى سلبية هذه السياسة طوال أربع سنوات ونيف من المأساة السورية الفظيعة، قد يمكن للمتشائمين أن يقرأوا هذا التصريح بوصفه محاولة من الرئيس الأمريكي لتبرئة ذمته من دم مئات آلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين والمشردين وعشرات آلاف القتلى تحت التعذيب في سجون النظام الكيماوي، وكذا من المسؤولية التي تتحملها هذه السياسة عن انتشار التطرف الإسلامي وصولاً إلى ذروته في إعلان دولة الخلافة الممتدة من الموصل إلى حلب ودمشق (مخيم اليرموك وجواره).
بالمقابل، يمكن للمتفائلين قراءة التصريح نفسه على ضوء الدعم الأمريكي المعلن لمعركة عاصفة الحزم الهادفة إلى وقف زحف النفوذ الإيراني في اليمن. ذلك أن جميع المراقبين يجمعون على وحدة الصراع في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين، لكون الدول المذكورة ملاعب لمنظمات محلية يجمعها المذهب الشيعي والولاء السياسي لإيران. ولعل ساحة الصراع الوحيدة التي تشذ نسبياً عن هذا التوصيف هي سوريا حيث لا منظمات محلية شيعية بسبب صغر حجم الطائفة الشيعية في سوريا وتشتتها الجغرافي، بل نظام ينتمي رأسه إلى الطائفة العلوية (النصيرية)، وتشكل هذه الأخيرة النواة الصلبة المتماسكة لقاعدته الاجتماعية التي لم تتخل عنه إلى الآن. ربما لتعويض هذا النقص المذهبي، نجد المنظمات الشيعية الموالية لإيران تأتي من الخارج لمؤازرة النظام الكيماوي الذي تدهورت امكاناته الذاتية كثيراً. من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها من مناطق انتشار المذهب الشيعي.
الواقع أن تصريح أوباما يحتمل التأويلين المذكورين معاً. فصحيح أنه يحتاج إلى الكثير من تبرئة الذمة بالمعنيين الأخلاقي والسياسي إزاء النتائج الكارثية لسياسته السورية، قبل أن يودع البيت الأبيض ليتفرغ لكتابة مذكراته عن هذه الفترة العاصفة من تاريخ العالم ودوره كصانع قرار للقوة العظمى الوحيدة في العالم في أحداثها.
فمن المعروف أن تلك السياسة اختبأت طوال سنوات وراء الفيتو المزدوج الروسي الصيني لتبرير تقاعسها عن ردع جزار أحمق دمر البلد الذي يحكمه على رؤوس سكانه، مع العلم أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على هذا الردع من غير أن يستلزم ذلك تدخلاً عسكريا فعلياً. ولم تكتف السياسة المذكورة بذلك، بل منعت الدول الأخرى التي لها مصلحة في الإطاحة بالنظام الكيماوي من تقديم مساعدة عسكرية ذات شأن لقوات المعارضة، بما يمكِّنُها من الإطاحة به. لكنها غضت النظر، بالمقابل، عن الآليات التي أدت إلى انتشار التطرف كما عن تدفق آلاف الجهاديين من أربع جهات الأرض إلى الداخل السوري، وعن تدخل المنظمات الإرهابية الشيعية التابعة لإيران بصورة علنية في الصراع الداخلي السوري لمصلحة النظام.
ومع تشكيل الولايات المتحدة لتحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالتوازي مع استماتة أوباما لتوقيع اتفاق نووي مع إيران، وغضها النظر عن زحف الحوثيين إلى صنعاء وانقلابهم على الشرعية في اليمن، بدا وكأن أوباما وفريقه في اصطفاف واحد مع إيران في الصراع الاقليمي المحتدم.
الأمر الذي أثار استياء واضحاً لدى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، من المنظومة الخليجية إلى تركيا وإسرائيل. لم تشهد العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية توتراً يماثل ما نشهده اليوم طوال تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
مع انطلاق عاصفة الحزم، اتضحت أكثر السياسة الأمريكية إزاء صراعات المنطقة التي انتظمت في اصطفاف إيراني عربي، أو شيعي سني كما قد يفضل أنصار مذهبة الصراع السياسي على النفوذ. فقد أعلنت الإدارة الأمريكية دعمها الصريح لتحالف عاصفة الحزم، بما في ذلك الاستعداد للمساهمة بدعم لوجستي واستخباري.
كذلك لم تعترض الإدارة على وصول سلاح نوعي إلى فصائل المعارضة السورية، في شمال البلاد وجنوبها، بما مكنها من تحقيق انتصارات بارزة على النظام في إدلب وبصرى الشام ومعبر النصيب الحدودي مع الأردن. ليأتي كلام أوباما الاستنكاري ل”عدم رؤية تدخل عربي ضد الانتهاكات الفظيعة لنظام الأسد” كما لو كان ترجمة لسماح الإدارة بوصول السلاح المذكور، وتشجيعاً لتدخل عربي أكثر فعالية في سوريا على غرار التدخل في اليمن.
ولكن لا بد من الإشارة، بصدد هذا التأويل، إلى أن تشجيع أوباما لتدخل عربي في سوريا، لا يتضمن موافقةً على الإطاحة بالنظام، بل فقط منعه من ارتكاب المزيد من الانتهاكات الفظيعة على حد تعبيره. وهذا يعني ثبات الموقف الأمريكي في تمسكه بالحل السياسي، وتشجيعه الضغط العسكري على النظام لإرغامه على القبول بالحل السياسي. هذا هو الموقف الأمريكي من المشكلة اليمنية أيضاً على أي حال. أي تشجيع السعودية وحلفائها على ضرب الحوثيين لإرغام هؤلاء على الحل السياسي في اليمن.
تنطوي سياسة التشجيع هذه على مخاطر كبيرة، وقد لا تعطي أسباباً كثيرة للتفاؤل. فهي استمرار “أكثر عدلاً” إذا جاز التعبير لسياسة الانسحاب الأمريكي الاستراتيجي من شؤون المنطقة وصراعاتها، وترك أهلها يحلون مشكلاتهم بأنفسهم. وفي الشروط القائمة اليوم، يعني ذلك تأجيجاً للصراع الاقليمي على محور مذهبي شيعي سني، أي مزيداً من الصراعات والحروب الدموية.
بالمقابل، يمكن للمتفائلين قراءة التصريح نفسه على ضوء الدعم الأمريكي المعلن لمعركة عاصفة الحزم الهادفة إلى وقف زحف النفوذ الإيراني في اليمن. ذلك أن جميع المراقبين يجمعون على وحدة الصراع في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين، لكون الدول المذكورة ملاعب لمنظمات محلية يجمعها المذهب الشيعي والولاء السياسي لإيران. ولعل ساحة الصراع الوحيدة التي تشذ نسبياً عن هذا التوصيف هي سوريا حيث لا منظمات محلية شيعية بسبب صغر حجم الطائفة الشيعية في سوريا وتشتتها الجغرافي، بل نظام ينتمي رأسه إلى الطائفة العلوية (النصيرية)، وتشكل هذه الأخيرة النواة الصلبة المتماسكة لقاعدته الاجتماعية التي لم تتخل عنه إلى الآن. ربما لتعويض هذا النقص المذهبي، نجد المنظمات الشيعية الموالية لإيران تأتي من الخارج لمؤازرة النظام الكيماوي الذي تدهورت امكاناته الذاتية كثيراً. من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها من مناطق انتشار المذهب الشيعي.
الواقع أن تصريح أوباما يحتمل التأويلين المذكورين معاً. فصحيح أنه يحتاج إلى الكثير من تبرئة الذمة بالمعنيين الأخلاقي والسياسي إزاء النتائج الكارثية لسياسته السورية، قبل أن يودع البيت الأبيض ليتفرغ لكتابة مذكراته عن هذه الفترة العاصفة من تاريخ العالم ودوره كصانع قرار للقوة العظمى الوحيدة في العالم في أحداثها.
فمن المعروف أن تلك السياسة اختبأت طوال سنوات وراء الفيتو المزدوج الروسي الصيني لتبرير تقاعسها عن ردع جزار أحمق دمر البلد الذي يحكمه على رؤوس سكانه، مع العلم أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على هذا الردع من غير أن يستلزم ذلك تدخلاً عسكريا فعلياً. ولم تكتف السياسة المذكورة بذلك، بل منعت الدول الأخرى التي لها مصلحة في الإطاحة بالنظام الكيماوي من تقديم مساعدة عسكرية ذات شأن لقوات المعارضة، بما يمكِّنُها من الإطاحة به. لكنها غضت النظر، بالمقابل، عن الآليات التي أدت إلى انتشار التطرف كما عن تدفق آلاف الجهاديين من أربع جهات الأرض إلى الداخل السوري، وعن تدخل المنظمات الإرهابية الشيعية التابعة لإيران بصورة علنية في الصراع الداخلي السوري لمصلحة النظام.
ومع تشكيل الولايات المتحدة لتحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالتوازي مع استماتة أوباما لتوقيع اتفاق نووي مع إيران، وغضها النظر عن زحف الحوثيين إلى صنعاء وانقلابهم على الشرعية في اليمن، بدا وكأن أوباما وفريقه في اصطفاف واحد مع إيران في الصراع الاقليمي المحتدم.
الأمر الذي أثار استياء واضحاً لدى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، من المنظومة الخليجية إلى تركيا وإسرائيل. لم تشهد العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية توتراً يماثل ما نشهده اليوم طوال تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
مع انطلاق عاصفة الحزم، اتضحت أكثر السياسة الأمريكية إزاء صراعات المنطقة التي انتظمت في اصطفاف إيراني عربي، أو شيعي سني كما قد يفضل أنصار مذهبة الصراع السياسي على النفوذ. فقد أعلنت الإدارة الأمريكية دعمها الصريح لتحالف عاصفة الحزم، بما في ذلك الاستعداد للمساهمة بدعم لوجستي واستخباري.
كذلك لم تعترض الإدارة على وصول سلاح نوعي إلى فصائل المعارضة السورية، في شمال البلاد وجنوبها، بما مكنها من تحقيق انتصارات بارزة على النظام في إدلب وبصرى الشام ومعبر النصيب الحدودي مع الأردن. ليأتي كلام أوباما الاستنكاري ل”عدم رؤية تدخل عربي ضد الانتهاكات الفظيعة لنظام الأسد” كما لو كان ترجمة لسماح الإدارة بوصول السلاح المذكور، وتشجيعاً لتدخل عربي أكثر فعالية في سوريا على غرار التدخل في اليمن.
ولكن لا بد من الإشارة، بصدد هذا التأويل، إلى أن تشجيع أوباما لتدخل عربي في سوريا، لا يتضمن موافقةً على الإطاحة بالنظام، بل فقط منعه من ارتكاب المزيد من الانتهاكات الفظيعة على حد تعبيره. وهذا يعني ثبات الموقف الأمريكي في تمسكه بالحل السياسي، وتشجيعه الضغط العسكري على النظام لإرغامه على القبول بالحل السياسي. هذا هو الموقف الأمريكي من المشكلة اليمنية أيضاً على أي حال. أي تشجيع السعودية وحلفائها على ضرب الحوثيين لإرغام هؤلاء على الحل السياسي في اليمن.
تنطوي سياسة التشجيع هذه على مخاطر كبيرة، وقد لا تعطي أسباباً كثيرة للتفاؤل. فهي استمرار “أكثر عدلاً” إذا جاز التعبير لسياسة الانسحاب الأمريكي الاستراتيجي من شؤون المنطقة وصراعاتها، وترك أهلها يحلون مشكلاتهم بأنفسهم. وفي الشروط القائمة اليوم، يعني ذلك تأجيجاً للصراع الاقليمي على محور مذهبي شيعي سني، أي مزيداً من الصراعات والحروب الدموية.
بكر صدقي – القدس العربي