القصف الذي ينهمر على حلب من السماء، يحرق جهات المدينة الأربع.
تلك النار المنهمرة تشبه تمامًا تلك النار التي أحرقت غزة، فالقنابل الفسفورية أحرقت أطفال حلب.
يعتقد الجميع أن ذلك قد يحدث في الخرافات، والقصص القديمة المخيفة، أو في عالم الأساطير.
ولكن، نعم في حلب يوجد وحوش يصدر من فمها النار.
نعم، حقًا سماء حلب تمطر نارًا.
هنالك تنانين بسبعة رؤوس، لكن من الفولاذ، هنالك وحوش تأكل البشر، حقًا إن ذلك في حلب.
إن ذلك المكان، ليس مكانًا من الممكن أن يعيش فيه طفل، فـ”العنقودية” هي اسم قنبلة مشهورة تهطل على حلب. و”الفوسفور” هو اسم قنابل تحرق سكان حلب لتحولهم إلى رماد، فالأطفال الذين لا يموتون بتلك القنابل لا شك أنهم يموتون من الخوف.
الجميع جالس يتفرج على قصة تلك المدينة، كما لو أنه يتفرج على قصص وحكايا “أوليمبوس”، وإله النار “هيفيستوس” الذي يصب النار كالمطر عندما يغضب.
لكن حلب مدينة حقيقية، النار التي تهطل فيها حقيقية، الأجساد التي تحترق حقيقية، والموت فيها حقيقي أيضًا… واسم “الإله” الذي يمطرها بالنار مختلف، لكن ناره حقيقية.
عندما تنهمر النار على حلب، أقصد عندما تنهمر النار حقًّا على حلب، تحترق جميع الكلمات التي قالها البشر، وتصبح رمادًا.
لم تعد البشرية والإنسانية تمتلك أيًا من المفردات لتشرح عن قلب طفل قد انفجر من الخوف، أو جسد أبٍ قد احترق بفعل القنابل.
ونحن المتفرجين على النار التي تهطل على حلب، سنعيش هذا العار في كل يومٍ نبقى فيه على قيد الحياة.
في يوم من الأيام، سندفع جميعًا حسابًا وخيمًا، لوقوفنا موقف المتفرج مما يحدث في حلب.
أطفال حلب، شأنهم شأن أطفال غزّة، فرحوا بتلك النار، ظنًا منهم أنها ألعاب نارية، لكن تلك النار أحرقت أجسادهم الغضّة التي حولها الفوسفور إلى رماد.
لقد مات الأطفال في ريف حلب، وهم يلعبون، تمامًا كما مات أطفال غزّة وهم يلعبون بالطائرات الورقية على سواحل مدينتهم.
في الواقع، كانت الطريقة واحدة التي أدت لموت أولئك الأطفال، كان أولئك الأبرياء مثل الملائكة. ماتوا تاركين العار للإنسانية، إن بقي بين البشر من يشعر بالخجل.
… / …
عندما ينهمر النار من السماء على حلب، والعالم يراقب ذلك، والإنسانية تحترق متحولة إلى رماد، يشتهي المرء أن يرفع يديه إلى السماء داعيًا من أجل بدء “يوم القيامة”.
لو يبدأ يوم القيامة، لينتهي هذا الظلم، ومعاناة المظلومين.
ما حال هذا العالم الذي نعيش فيه، حقًا بتنا نريد بدء يوم القيامة.
ما حجم هذا العار؟ بتنا غير قادرين على إيجاد كلمات تروي معاناة تلك الأجساد التي احترقت وهي صائمة في رمضان.
لم نعد نقوى على رؤية تلك النكبة وهذا الظلم، إن يأسنا هذا بات يصور لنا الحياة على أنها عبارة عن ذل واضطهاد.
كل ما نقوله بات فارغًا، وكل ما نقوم به بات فارغًا، إن ما يحدث ليست حكايات خرافية، بل إنها حقيقة تحدث بالقرب منّا …
حلب مدينة حقيقية، والنار حقيقية، والأجساد المحترقة حقيقية، والموت حقيقي …
… / …
عندما تهطل النار على حلب في يوم رمضاني، تحترق في ذلك اليوم كل الكلمات والعبارات.
اليوم الذي تتصاعد فيه صرخات النجدة إلى السماء، ولا تجد من يمد لها يد العون، هو اليوم الذي يحترق فيه الضمير والرحمة والعدل.
عندما يقوم مسلم بقتل مسلم آخر في يوم رمضاني، يفترض أن يكون يوم صوم ورحمة؛ وقتئذ ينبغي علينا أن نشك في دين ذلك الشخص إيمانه ومعتقده.
… / …
عندما رآى الناس حلب، تضرعوا لكي يبدأ يوم القيامة، فهطول هذا الكم من النار على حلب كان مروعًا أكثر بالنسبة لهم.
عندما رأى الناس ذلك الظلم الذي يقع على تلك المدينة، تمنوا لو تقوم الساعة، لكي يمثل الظالم والمظلوم أمام ميزان لا يظلم أمامه أحد.
في هذا العالم اللا أخلاقي، لا نرى أحدًا يقوم بمحاسبة مجرم يمطر حمم النار على أجساد الأطفال.
لا أحد يرأف ببكاء الأطفال والمظلومين.
لا أحد يقدر على أن يقول “قف” لذلك الظلم.
ما هو هذا العالم الذي نعيش فيه، حقًا بتنا نريد مجيء الساعة.
الشرق القطرية