كان الزمن ثقيلاً وقلقاً يوم أمس على آلاف المدنيين شرق حلب، مع أنه الأول الذي مر منذ سنوات من دون غارات أو «براميل متفجرة» والأول مع معابر آمنة تحت كاميرات رقابة روسية، بعد 115 يوماً من حصار مطبق.
اختلطت المشاعر بين ترقب الفرج والخلاص من جحيم الحصار وبين قشعريرة الغربة، فكان كل شخص يستنفر طاقته المنهكة ليقبض على ما بقي من صور وروائح وذكريات بين الركام… ويهاجر إلى بقعة قريبة جغرافياً من دون أمل بعودة قريبة، بل إن بعضهم حرق وسط ذرف الدموع ممتلكاته وكتبه وأثاث منزله، في حين دمر عناصر الفصائل أسلحتهم وذخائرهم.
ويقول الدكتور سالم أبو النصر بعدما انتهى من جولة على مراكز إيواء النازحين شرق حلب صباح أمس، إن وجوه من شاهدهم كانت في «حالة وجوم وهلع» عندما بلغهم أن رصاصات أطلقت على أول سيارة إسعاف حملت مهجرين مصابين من شرق حلب إلى ريفها الغربي الخاضع لسيطرة فصائل معارضة ما أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة أربعة آخرين «لكن عندما ثبت وقف النار عادت حالة ارتياح يشوبها ترقب وحذر». وأضاف في اتصال هاتفي مع «الحياة» أن هناك «خليطاً من المشاعر. مرارة وحسرة من أنهم يتركون بيوتهم وذكرياتهم وأحياءهم وممتلكاتهم وسط شعور بأنهم قد لا يعودون إليها أبداً. ارتياح بالخلاص من جحيم القصف والحصار». وزاد: «قد لا يعرف البعض معنى أن تسقط يومياً 20 أو 30 قذيفة على حارات وأحياء ضيقة ومكتظة بالبشر. قد لا يدرك البعض الأثر النفسي لذلك وحالة الهلع والخوف الشديد». لذلك، فإن المنظمات الدولية التي ستستقبل النازحين في ريفي حلب وإدلب وضعت خبراء نفسيين ووزعت إرشادات لمن يريد «الحديث عن أمور نفسية تراعى فيها السرية والخصوصية» بما في ذلك أولئك الذي فقدوا التواصل مع أهلهم أو أبنائهم.
وبين الحالات الأكثر قسوة، هي دار الأيتام في حي صلاح الدين. كان يضم 40 طفلاً فقدوا آباءهم وأمهاتهم نتيجة القصف. لكن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ارتفع عددهم إلى 150 طفلاً، كانت جمعيات خيرية تقدم لهم الرعاية والطعام. ويوضح أبو النصر: «كثير من الأطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم خلال النزوح الأخير بعد سيطرة القوات النظامية على مناطق شرق حلب. رحلة تمتد ستة كيلومترات يضيع خلال الطفل عن والديه… ونحن نريد أن يكون هؤلاء بين أول الذين يتم إجلاؤهم إلى مكان آمن ومجهز».
الناشط المعارض صلاح الأشقر، بدا محبطاً جداً وعلى حافة مغادرة شرق حلب إلى تركيا وثم إلى أوروبا. وقال لـ «الحياة» إن شرق حلب «كانت البقعة الوحيدة التي كنا نعبر فيها عن رأينا بحرية ونطالب بالديموقراطية ونستطيع رفع علم الثورة. هذا ليس متاحاً في أي منطقة أخرى تحت سيطرة المعارضة بما فيها إدلب (الخاضعة لسيطرة فصائل إسلامية بقيادة «جبهة النصرة» أو «فتح الشام»). كانت حلب هي الأمل لإعادة التوازن إلى الثورة، وهذا الأمل ضاع. سقوط حلب هو سقوط للثورة، لذلك سأغادر سورية ولن أعود إليها طالما بقي فيها النظام» السوري. لكن ناشطاً آخر قال إنه يختلف مع الأشقر «لأن الثورة موجودة وليست مرتبطة بالجغرافيا بل بالرغبة في التغيير وهي لن تنتهي».
الحياة اللندنية