يُعد الشباب وقودا للثورة والنهضة في كافة المجتمعات بكل زمان ومكان، وعمادا للمستقبل وسلاحا مرعبا في وجه الطغاة والدكتاتوريين الظالمين، والظلم والطغيان صفتان بشريتان لا وطن لهما ولا دين، كما يُعد الطلاب وخاصة طلاب الجامعات أكثر الشباب نهضة وثورية وإقدام.
وتُصبح للثورات مسارات نوعية متقدمة على خطا الشباب الثوري، وإن أي نهضة وثورة للشباب والطلبة في أي بقعة من بقاع الأرض هي تمثيل حي لكل الإنسانية الحرة من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا إلى فيتنام وآسيا، واليوم هو يوم الطالب الإيراني صاحب التاريخ الثوري الكبير بل والمميز بثوريته النوعية في عالمنا اليوم.
يصادف يوم السابع من ديسمبر من كل عام يوم الطالب الإيراني، وإنه ليوم جدير بالتكريم قياسا بالتاريخ الحافل للطلبة الإيرانيين في الحراك الثوري الإيراني، وخاصة مواقفهم التي تحدت بالتضحيات الجسام كافة القوى الدكتاتورية القمعية سواء في الحقبة الغابرة للشاه أو في مرحلة الطغيان السوداوية بحقبة الملالي الحاكمين في إيران.
الطلبة الإيرانيون وثورة عام 1979
عندما تُذكر الثورات والتضحيات حق علينا أن نذكر الشعب وتضحياته ونخص بالذكر الطلبة الإيرانيين الذين نكرمهم اليوم، ونحيي معهم يومهم التاريخي الجدير بالتبجيل، فتاريخ إيران المعاصر يشهد لهم بذلك وتشهد لهم ثورتانِ حقيقيتانِ، الأولى كانت ثورة عام 1979 التي وقف لها أحرار العالم بكل تقدير واحترام حيث أذلت دكتاتورية نظام الشاه وأسقطته وأزالته ونظامه من الوجود إلى غير رجعة لكن ثورته هذه تم التحايل عليها وسرقتها، والثانية هي ثورته الحالية الممتدة من ثورة عام 1979 إلى اليوم، ويريد من خلالها إسقاط دكتاتورية الملالي ونظام ولاية الفقيه الرجعية وإزالتهما من الوجود أيضا إلى غير رجعة، ليستعيد ثورته المسلوبة ويبني دولته العصرية التقدمية وفق إرادة الشعب ممثلا بقواه الحرة الأصيلة التي مدت جذورها بشهدائها إلى أعماق الأرض التي تنتمي إليها بصدق وروتها ولا زالت ترويها بدمائهم حتى اليوم.
وإننا اليوم إذ نحيي ونجل ونكرم يوم الطالب الإيراني نستذكر تضحياته في ثورته ضد دكتاتورية نظام الشاه المخلوع عام 1979، ونستذكر كيف تلقوا رصاص قوى الظلم والإجرام بصدورهم وأُغرِقت الأرض بدمائهم وامتلأت القلوب ألما ووجعا لفراقهم من جهة، وتعالت بهم نشوة النصر والفخر والعزة من جهة أخرى، وأسسوا لثقافة العز والفخر التي تمتد ولا زالت قائمة إلى اليوم في المجتمع، ثقافة إهداء أرواح الأبناء إناثا وذكورا فداء للوطن الإيراني، ومثالا على ذلك في ثورة الشعب الإيراني اعتبار كل الإيرانيين بأن كل الشهداء أبناؤهم يفتخرون بهم ويحيون ذكرى شهادتهم، سواء في يوم الأربعين أو يوم الذكرى السنوية لهم.
وأذكر أحد الأمثلة على لسان خالة إحدى الشهيدات وهي الفتاة نيكا شاكرمي التي قُتِلت على أيدي السلطات القمعية الإجرامية إذ تقول خالتها التي ربتها في مراسيم تشييع جنازتها (اليوم يوم مولدك يا ابنتي .. اليوم أُهديكي للوطن يا ابنتي .. المجد لك يا ابنتي)، نعم إن هذه الثقافة ثقافة أسس لها الشباب والطلبة الإيرانيون في ثورتهم ضد الشاه الثورة المستمرة حتى اليوم لأجل الحرية والكرامة بحجاب وبدون حجاب كما قالتها نساء زاهدان.
الطلبة الإيرانيون والثورة الإيرانية الجارية
اليوم يعيد التاريخ نفسه مع بعض الفوارق المتأتية من تنامي مد الثورة من عام 1979 إلى اليوم، وهو ما نراه بوضوح بعد مضي أكثر من 80 يوما من تأجج الثورة وسقوط أكثر من 600 شهيد، من بينهم طلبة بنات وبنون ويقبع الآلاف منهم في السجن تحت التعذيب، وأما قوة الملالي الإجرامية العاتية بكل جبروتها وتنوعها وصلاحياتها بالقتل فلم تتمكن اليوم من مد الطلبة الثوري المؤجج للانتفاضة، وها هي تقف عاجزة أمام الثورة التي تزداد لهيبا واشتعالا يوما بعد يوم على الرغم من الاستخدام المفرط للقوة غير المتكافئة بحق الثوار، وشتى أنواع الاحتيالات التي يستخدمها النظام لاحتواء الثورة من قبيل إلغاء دورية الإرشاد والتلويح بالنظر في أمر الحجاب، وربما حتى استعداد الملالي لتعديل نظام الحكم وإقامة حكم علماني يضمن لهم البقاء كلصوص مجرمين متميزين في السلطة على حساب الشعب ومقدرات دولته، لكن مواقف الطلاب الإيرانيين لا زالت في ثبات وصمود مهما بلغت التضحيات ومهما فعل النظام.
لقد تميز دور الطلاب في هذه الثورة بقيم رفيعة تجعل كل حر في هذا العالم يقف أمامهم بفخر واحترام، وقد تجلت هذه القيم بالإحساس العالي بالمسؤولية تجاه كل قطرة دم لشهيد أو جريح في كل بقعة من التراب الإيراني، فعندما استشهدت الفتاة الكردية البريئة مهسا أميني هتف الطلاب كلنا مهسا أميني وتكرر الحال مع كل الشهداء، وقد كان في ذلك عزاء كبيرا لذوي الشهداء والمعتقلين، وكذلك مواصلتهم بالمطالبة بإطلاق سراح رفاقهم المعتقلين، وشعارهم الذي ردده المجتمع كله (سأقتل .. سأقتل كل من قتل أختي وأخي).
كل التحية والفخر بالطالب الإيراني الثائر من أجل تحرير وطنه ولثورتهم التي قامت بوعي ونضوج ورسوخ لكي تنتصر ولا خيار لديهم سوى النصر..، والمجد لشهدائهم ولكل ثائر شهيد في كل مكان.
مقال رأي / د.محمد الموسوي/ كاتب عراقي