بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
يعتبر السجن هو ذاك المكان المغلق المنعزل الذي يتكون من غرف وعنابر يقيم فيها الشخص المذنب لتنفيذ العقوبة التي أصدرتها المحكمة في حقه لارتباكه انتهاكا أو جريمة ما بحق المجتمع، والهدف الأساسي من بناء السجون حماية المواطنين وحفظ الأمن وتنظيم العلاقات بين الأفراد وتقويم سلوك المنحرفين.
وتنطبق تلك المعايير في المجتمعات المتحضرة فقط ( غير العربية ) ووفق رقابة شديدة من قبل هيئات حقوق السجناء.
ولكن يختلف تعريف السجن بحسب الجهة المنفذة لأحكام الاعتقال ومكانه، كما تتماشى أوضاع المساجين على حسب نفوس سجانيهم !! ففي سجون الاحتلال يعاني المعتقلون الفسلطينيون أشد أنواع التعذيب كما يمارس بحقهن كافة أساليب التعنيف والأهمال الطبي، فيما فارق بعض المعتقلين الحياة أثناء قضاء العقوبة السجنية (ذلك أن 200 أسيرا فلسطينيا توفوا داخل المعتقلات منذ 1967 ).
بيد أن أكثر من 220 معتقلاً فلسطينياً محرومون من زيارة أهاليهم من ذوي درجة القرابة الأولى، وبأن جميع الأسرى من قطاع غزة محرومون من الزيارة نهائياً بناءً على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، الأمر الذي يزيد من معاناة اعتقالهم في السجون الإسرائيلية.
كما يحيي الشعب الفلسطيني في السابع عشر من أبريل من كل عام منذ عام 1974 “يوم الأسير الفلسطيني” باعتباره تعبيرا عن استمرار نضاله في سبيل حرية الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية. وفي هذه المناسبة ذكر مسؤولون فلسطينيون الأحد الماضي أن مئات المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بزعامة القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي، سيخوضون أبتداء من الأثنين إضرابا مفتوحا عن الطعام، للمطالبة بتحسين ظروف أعتقالهم ، ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين “عيسى قراقع” إن الحركة الأسيرة منذ عام 1967 نفذت “23 إضراباً كان آخرها الإضراب الجماعي الذي خاضه الأسرى الإداريون في سجون الأحتلال عام 2014 .
وضمن ذات السياق أوضح الأسير الذي صدرت بحقه خمسة أحكام بالسجن المؤبد مراون البرغوثي، أن قرار خوض الإضراب عن الطعام جرى اتخاذه بعد أستنفاذ كافة الخيارات الأخرى، قائلا إن ألف أسير قرروا المشاركة في الخطوة الأحتجاجية، وأعرب البرغوثي عن أمله في أن تساعد معركة الأمعاء الخاوية أسرى فلسطين على نقل معاناتهم إلى خارج أسوار الزنازين، موضحا أن الإضراب عن الطعام يجسد أكثر الخيارات النضالية سلمية، وذلك ضمن مقال للبرغوثي نشر في صحيفة “نيويورك تايمز “.
وتشمل قائمة المطالب للمضربين عن الطعام، تركيب هاتف عمومي للأسرى الفلسطينيين حتى يتواصلوا مع ذويهم، فضلا عن مطالب تتعلق بالزيارات، وتوفير العلاج اللازم للمرضى.
كما يجدر التنويه هنا إلى وجود 7000 أسير فلسطيني موزعين على 22 سجنا بين سجون مركزية ومراكز تحقيق وتوقيف ، ومن بين المعتقلين “62 أسيرة بينهن 14 فتاة قاصرا ونحو 300 طفل .
وبالحديث عن معاناة المعتقلين الفلسطينيين في سجون الأحتلال الإسرائيلي ينبغي الإشارة في سياق المقال بوجود منظمات إسرائيلية تعنى بذكر الفظائع التي يتعرض لها أولئك المعتقلين، مما يعكس جمود الموقف العربي وخذلان المؤسسات الإنسانية العربية (إن وجدت ) بتأدية واجبها تجاه المعتقلين الفلسطينيين !! ومن تلك الهئيات منظمة تدعى (بتسيلما) وهي مركز إسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ، وتقوم المنظمة بانتقاد خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين.
وكان تقرير أعدته مؤسسة بتسليم الإسرائيلية قد أكد أن أكثر من 850 سجيناً فلسطينياً يتعرضون لأشكال متنوعة من التعذيب كل سنة، وأن محققي الشاباك يستخدمون أثناء تحقيقهم واستجوابهم للمعتقلين الفلسطينيين أكثر من 105 وسائل للتعذيب.
وبما أن الحرب تضع أوزارها على أجساد المعتقلين. وتوازيا مع كم الأحقاد والكراهية التي يحملها الصهاينة تجاه الفسلطينيين
في إطار حملات اعتقال ممنهجة بحق المواطنين العزل، فلم تكن ظروف المعتقلين بعيدة عن مرمى تطلعات جنود الاحتلال وساستهم، على الرغم من حصول المعتقلين الفلسطينيين في بعض الأحيان على حقوق وامتيازات تعد ضربا من الخيال بالنسبة للمعتقلين السوريين في سجون الأسد !!
فقد نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا عن التعذيب في أقبية النظام السوري ، وتقول المجلة إنه “من الصعب البحث عن السجناء أيضا، خاصة أن نظام بشار الأسد قام بتحويل ملاعب الرياضة والبيوت المهجورة والمستشفيات إلى مراكز اعتقال، وتقوم المليشيات الموالية للنظام، والقادمة من العراق ولبنان وإيران، بإدارة سجونها السرية الخاصة، وهناك 200 ألف لا يزالون في المعتقلات، ومعظمهم في منشآت تابعة للحكومة، لا يسمح لمنظمة الصليب الأحمر الدولي بالوصول إليها”.
ولإلقاء الضوء على الظروف القاسية التي يعانيها المعتقلون السوريون يجب الأدإشارة إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان حيث أوضحت تلك المنظمات بأن نظام الأسد قام بتعذيب وقتل ما بين 17500 إلى 60 ألف رجل وامرأة وطفل منذ بداية الثورة في آذار/ مارس 2011، وعادة ما يدفن القتلى في قبور جماعية، ولا يتم إرجاع جثثهم لذويهم، ولا تستلم عائلاتهم سوى شهادة وفاة تشير إلى أن الشخص مات في ظروف طبيعية”.
ومنذ بدء الثورة السورية المجيدة فقد بات جليا الفرق الشاسع بين ظروف المعتقلين الفسطينيين على الرغم من قساوتها ولكنها تعد مخففة بالنسبة للمعتقلين السوريين، بل أن نظام الأسد قام باعتقال الفلسطينيين المتواجدين على الأراضي السورية مما جعل أولئك المعتقلون يتشدقون بالمعاملة الحسنة من قبل الصهاينة ويتمنون على سجانيهم تحويلهم إلى سجون الاحتلال الصهيوني لينعموا ببعض الراحة والهدوء ، وليشعروا بإنسانيتهم التي فقدوها في سجون الأسد.
مفارقة عجيبة بأن يتمنى سجين عربي في إحدى الدول العربية بانتقاله إلى سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتساؤل تفتح إجابته أقواسا من الجدل عن ماهية السجانين وظروف المعتقلين بين هناك وهنا !!!
وضمن المحور ذاته يرزح آلاف المعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام السوري، بعضهم منذ سنوات وعقود، لكن معظمهم اعتقلوا بعد الثورة السورية في مارس/آذار 2011.
ووفقاً لمركز توثيق المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سورية، فإن “541 من هؤلاء المعتقلين توفوا تحت التعذيب، بينهم 38 امرأة، من أصل 613 أمرأة فلسطينية معتقلة في سجون النظام الأسدي، ويُرتكب بحقهن انتهاكات تتراوح ما بين الاغتصاب، والتعذيب المعنوي والجسدي .
وإن أردنا على سبيل المثال إيجاد أرضية مشتركة وخط سير عمل موحد لأساليب الاعتقال وظروفها بين العدو الصهيوني ونظام الأسد فلن نستطع إلى ذلك سبيلا ، وكما تم ذكره من خلال الشبكة السورية لحقوق الإنسان فأن عدد المعتقلين يبلغ قرابة 200 ألفاً، وتتنوع أساليب التعذيب من طريقة الشبح والصلب والكرسي الألماني والكهربائي والضرب بالكابلات المعدنية ونزع الشعر واللحم وصولاً إلى الاغتصاب أو إجبار بعض المعتقلين على اغتصاب زملائهم حسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان .
وبعيدا عن التعميم والمبالغة وصب الاتهامات جزافا فلنأخذ على سبيل التوضيح ما يلي …
لا يجوز حسب القوانين الإسرائيلية احتجاز أكثر من 20 معتقلا في غرفة واحدة لا يزيد طولها عن خمسة أمتار، وعرضها أربعة أمتار وارتفاعها ثلاثة أمتار أو أن يكون السقف مفتوحا، بينما وبحسب شهادة المعتقل ” أحمد وليد فاتو ” المفرج عنه من سجون الأسد وفي مضمار حديثه قوله ( ثم قاموا باقتيادنا إلى مهجع كانت مساحته حوالي 4*3 متر يحتوي على 38 معتقلا !!
والمثال الأخر بأن حكومة الاحتلال الإسرائيلي شيدت أغلب سجونها بعيدا عن الأراضي المحتلة حتى تمعن في إبعاد الأسرى عن عائلاتهم وتحرمهم من الزيارات فضلا عن تكبيدهم مشقة المواصلات والشروط المعقدة ، بينما يقبع المعتقل السوري بعيدا عن أهله مقدار شارع واحد فقط ولايتجرأ ذويه من السؤال عنه .
ومن ناحية أخرى يجب التركيز بأن واقع المعتقلين السوريين يخالف تماما ماتطرحه وسائل إعلام الأسد، والتي تشارك عبر بث الأكاذيب المضللة في أطار حملة دعائية متعمدة في توجيه أنظار العالم عن الجحيم الذي يعاني منه أولئك المعتقلون.
ولنأخذ شهادة من ضمن آلاف الشهادات لمعتقلين تم الإفراح عنهم لاحقا، وتلك الشهادة لشابة تدعى “هدى” تبلغ من العمر 18 عام وهي من الفلسطينيين من مخيم اليرموك، فقد نشر “مركز توثيق المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سوريا” شهادة مروعة لمأساة عاشتها إحدى اللاجئات الفلسطينيات المعتقلات في سجون النظام السوري، حيث تروي الشابة الفلسطينية (هدى) تفاصيل رحلة العذاب خلال فترة اعتقالها بدءاً من الضرب والصعق بالكهرباء نهاية إلى الاغتصاب لعدة مرات، (هدى) ابنة مخيم اليرموك حيث تعرضت للتعذيب على يد عناصر الجبهة الشعبية – القيادة العامة قبل أن يتم تسليمها واقتيادها مع ثلاث لاجئات فلسطينيات من مخيم اليرموك ، وضمن معرض حديثها عن ظروف اعتقالها فقد أوضحت مايلي ( تم اقتيادي إلى فرع ما يسمى «فلسطين -235» في دمشق في بدايات عام 2013 ، وتحدثت في شهادتها عن ممارسة عناصر الأمن السوري كافة أشكال التعذيب، فبعد الزج بها في زنزانة مساحتها 3 ×4 أمتار، ومعها 18 معتقلة معظمهن فلسطينيات ، وتم اقتيادها إلى فرع «المداهمة – 215» في دمشق ، وتصف طرق التعذيب فيه بأنها أشد قسوة من فرع فلسطين «أضعافًا مضاعفة». بعد اغتصاب (هدى) حملت إلا أنها أجهضت نتيجة الضرب بعد أن أصيبت بنزيف حاد وفقدان للوعي وألقيت بعدها في زنزانة مليئة بجثامين معتقلين قتلوا تحت التعذيب حيث أجبرت على البقاء فيها أمام الجثث والدماء لما يقارب ثلاثة أسابيع، وكان اغتصاب المعتقلات أمراً شائعًا كما تقول هدى، وهدى من ضمن آلاف المعتقلات السوريات اللواتي يرزحن تحت نير الاحتلال الأسدي المرعب .
في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني نتمزق ألما على الظروف المأساوية التي يعانون منها ، كما ندعو منظمات حقوق الأدإنسان والمجتمع الدولي المنافق بتصدير الصورة الأقرب لشعوب العالم لأساليب الأرهاب التي تمارس بحقهم، أما وبالنسبة للجحيم الأكبر وسجون هولاكو على الأراضي السورية فلا نملك سوى الدعاء ومواصلة العمل الثوري والجهاد السلمي في سبيل تحرير كافة السجناء السوريين، بعيدا عن منصات العهر العربية والدولية حيث تواطؤ تلك الأذرع الدنئية من خلال الصمت والمماطلة وتعطيل قنوات الحوار من استنزاف الشعب السوري حتى المواطن الثائر رقم واحد ضمن سجلات معارضي الأسد.
ولإسكات بعض الأصوات التي ستنبح عقب هذا المقال على اعتبار المواطن السوري ضمن السجون السورية يدعى بالسجين وليس بالمعتقل !! فيجب التنويه في بساطة السرد بأن الأسير له تعريف واحد، ينطبق على كل من ألقي القبض عليه من قبل الخصوم والأعداء سواء كان ذلك في غمرة القتال أو الإغارة عليه في عقر داره، فهو عندئذ يكون أسير حرب، ولايخفى على أحد أساليب اعتقال المواطنين السوريين ومايلاقونه من أنواع التعذيب فاقت بالآلاف أشواط أساليب العدو الصهيوني.
بورك الشعب السوري المجيد الذي رفض الخنوع وتكميم الأفواه ففارق من فارق الحياة، وبقي المعتقلون متمسكين بثوابتهم وأحلامهم في غياهب السجون، والنصر مهما طال فهو قادم، والشمس ستشرق رغم كيد الظلاميين وأتباعهم.