“يقتل القتيل ويمشي بجنازته”، هكذا بدا خطاب الأسد أمس، في الاجتماع الدوري الموسّع لوزارة الأوقاف بدمشق.
يتكلّم الأسد أمام عددٍ من رجال الدّين المنصتين لفتاويه، وتحليله الفكري للواقع، وعددٍ من النساء المنتميات لما يُسمى ” القُبيسيات “، المفتي حسون عن شماله، ووزير الأوقاف عن يمينه، بلا “كمامات”، ولا اتّباعٍ لإجراءات التباعد والوقاية من فيروس”كورونا”، مما يعكس حالة الإهمال من رأس النظام، إلى حكومته.
عكس هذا اللقاء، الذي نقلته الإذاعة والتلفزيون مساء أمس، حالة الانفصام النفسي، والتناقض العقلي،اللامنطقي، الذي كان واضحاً في كلام بشار الأسد.
فبين ظهوره كحاميٍ وراعيٍ للإسلام والمسلمين، وبين القتل والتعذيب والتهجير الذي مارسه على شعبه، يظهر جلياً مدى التناقض والكذب فيما يدّعي.
فهل يا ترى سيقتنع الشعب السوري
المهجر عن بلده وأرضه بتنظير وادعاءات الأسد! وهل بالإمكان تغيير ما يعتقده الأسد خرابٌ في عقول السوريين!.. وهو من استباح قتل شعبه بشتى أنواع الأسلحة، أخطرها كان الكيماوي المحرّم دولياً!!
يرثي الأسد بكلماتٍ خدّاعة، الوضع المعيشي لسورية، في حين ينعم هو وحاشيته برفاهيةٍ تامّة، فضلاً عن تسلط أجهزته الأمنية على رقاب الفقراء والتجار، ووصل به الأمر مؤخرا، إلى الاستيلاء على شركة سيريتل، لقريبه “رامي مخلوف”، “المالك لجميع شركات الاتصال المحمول منذ فترة طويلة”.
ولا يخفى على أحد أن سوريا باتت تعيش كغابةٍ في مناطق سيطرة نظامه، لا سلطة تعلو فوق سلطة السلاح والمال.
يحاول بشار تبرئة نفسه وحكومته، وتلميع دوره في مكافحة ماأسماه بالإرهاب، أو التطرف، وما قاله” أنه البيت الذي لا باب ولا نوافذ له”، واصفاً الدول المجاورة، بالتّساهل وعدم ضبط الفكر الإسلامي.
ولكن السؤال هنا: هل تخلو دولة ما من رقابةٍ مُحكمةٍ على مؤسساتها الدينية؟…
من المعروف والمؤكد في العالم العربي، أن أجهزة الدولة لها رقابة تامة، إذن كلام الأسد لم يكن صحيحاً، بل التفاف وخداع لكسب التأييد والشعبية، في وقت تطفو على السطح بوادر لإزالته من الحكم، وتخلي الداعمين عنه، بعد انهيار شعبيته في دول العالم.
وأن الأمر لم بعد سوى مسألة وقتٍ، وتصفية مصالحٍ بين الروس والأمريكيين.
هل فعلاً أن أردوغان فقد شعبيته، كما يزعم النظام السوري؟.. وهل ربح الأسد شعبية أكثر من 8 مليون لاجئ، وآلاف عوائل سوريةٍ “قتل شبابها، ودمر منازلها بالطائرات والصواريخ، واستدعى لذلك حلفاء من الشرق والغرب” !!
هذه المراوغات الثعلبية، لم تعد تنطلي على أي سوريٍ.
يتهم الأسد المسلمين بسوء ممارسة الدين، متخذاً من ردة فعل بعض المسلمين اللاواعية على أحداث الإساءة لنبيهم. فالهوة شاسعةٌ جداً بين ما مارسه النظام من التنكيل الهمجي والبربري على الشعب، وبين ردات فعل بعض الجاهلين من المسلمين في التعبير عن رأيهم!
فإذا كان الشعب السوري قد دفع ثمن كلمته بالحرية ورفض نظام الحكم الظالم والبربري، 10 سنوات من الحرب الضروس التي فتكت بالشعب، وهجرته، فكيف للأسد أن ينتقد
المسلمين لأن درة فعلهم لم تكن فعّالة في حدث الإساءة!
هل يشجع الأسد المسلمين على نصرة نبيهم، ثم يقتلهم ويذبحهم، إذ رفضوا حكمه وأردوا تطبيق الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير!!
“لا إله إلا بشار الأسد”، لن ينسى السوريون هذه العبارة من أجهزة الأمن في نظام الأسد ، ” الأسد أو نحرق البلد”، ثم يدّعي رأس النظام، أنّ الله فوق البشر، وأن الرسول هو الممثل العملي للدين، ويدعو المسلمين للالتزام بتعاليمه!
هل التزمت حكومته بتعاليم الرسول الكريم ؟! من خلال ذبح الأطفال والنساء والشيوخ في مجزرة الحلة مثلا! أو في مجزرة الغوطة الرهيبة التي راح ضحيتها 1500 طفل!!
الأسد “المرتبك والخائف”، يتوجه في حديثه إلى الحاشية حوله، لأنه يعلم أن السوريين في مناطق المحرر، والمهجرين خارج سوريا، لن يغفروا له ولن ينسوا سنوات القهر والقتل والتهجير والتغييب القسري.
المثالية الخادعة لبشار المجرم التي يحاول فيها استمالة أكثر من 8 مليون سوري، كيف لك أيها الرئيس المخادع الحاكم لنظام يقدّسك، ويجبر المعتقلين على السجود لك، ويتلفظ جنودك بعبارات التأليه لك، أن تصف الرسول أنه مقدس، وأن البشر عاديين، أم تعتبر نفسك نبيّاً؟!!
” الذين خرجوا من المساجد ملحدين”.. تهاجم التطرف، وتصف الناس بالإلحاد؟!!! مااابدي يميزك عن ” تنظيم الدولة” التكفيري؟ّ
كيف لك أن تحارب الانحلال الأخلاقي، وتهاجم الليبرالية، والسجون لديك تعج بالنساء المغتصبات، ومن خرجت بقدرة الله من سجنك، تروي تفاصيل بربرية، لم يحدث في العصر الحديث مثلها!!
وقانون المساكنة الذي يروّج له في دمشق مؤخرا، هل يقع ضمن إطار الليبرالية، أم من باب الحرية الأخلاقية الفاسدة على حد تعريفك للانحلال! أم أن زواج المتعة المنتشر في دمشق،
ببركة حليفك الإيراني، ودعمه اللوجستي والعسكري لمحاربة الثائرين عليك، هل يعتبر أيضا
ضمن دائرة الحرية!…أم أنك تنتقد الليبرالية، استرضاء لجمهور كبير من حاشيتك، وعلماء السلطان لديك؟
يريد الأسد إشراك الجميع في الدفاع عن حكمه من خلال دعوى أن الحرب القائمة ليست على سوريا، إنما حرب على الدين! وحرب على القرآن الذي مدح وزير أوقافه عبد الستار
لقيامه بعمل جماعي في التفسير، متناسيا -بشار- أن القرآن حرم قتل النفس وأذيّة المؤمن،
وأن الله لم يحل لأحد أن يغتاب أحد، وأن أعظم الحرمات، حرمة الدم وسفكه. لكن الملفت للنظر، التطابق في اجتهادات “محمد حبش”- عضو مجلش الشعب سابقا- مؤخرا في تفسير القرآن، وبين دعوى الرئيس “التقي” بشار، للاهتمام بالقرآن والعربية، لكن أنى أن ينخدع له
أحد.
لم يسلم بالتأكيد الإخوان المسلمون، من هجوم بشار، طالما ردد كلمات ” خونة”، “وسفهاء”، مشيراً بكل تأكيد، لكل شخص نازعه السلطة والحكم.
هذا الخطاب الديني المتناقض جداً، يعكس شخصية بشار، ففي الوقت الذي يلقي خطاباته ومثالياته، تقصف طائراته، ودباباته شعبه المسلم الأعزل.
محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري