اذا ما حاكمنا الأمور حسب “اختبار النتيجة” فإن على دولة إسرائيل كلها تقريبا أن تركع أمام إيهود أولمرت، وعمير بيرتس ودان حالوتس فتطلب المعذرة والغفران. أذنبنا، أخطأنا، شككنا. إذ ان الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن منطقة الشمال هادئة على نحو شبه تام منذ عشر سنوات، ويمكن لهذا أن يستمر لزمن طويل آخر. في هذه الاثناء نشأ هناك جيل من الأطفال لم يقضوا يوما في الملاجئ. متى شهدنا هدنة طويلة كهذه في الشمال؟
تحيي إسرائيل هذا الأسبوع عقدا على حرب لبنان الثانية، ومرة أخرى يطرح السؤال اذا كانت عشر سنوات من الهدوء حتى الآن “تستحق” تلك الحرب المشوشة اياها. بعد أن قلنا الكليشية انه لا توجد حروب “تستحق”، حان الوقت لان نقول ان حرب لبنان الثانية هي الأخرى تندرج ضمن هذا التعريف. حتى لو علمت الجيش الإسرائيلي بضعة دروس مهمة. مثلا، انه ليس جاهزا لهذا الشكل من القتال أو أن الانشغال بضرب السكان المدنيين يختلف تماما عن معالجة الحرب نفسها.
لا توجد حرب تنتصر على كل الحروب، ولو كانت كهذه لكنا أوصينا بشنها على الفور. ليس كل حرب، مثل الحرب العالمية الثانية، تنتهي بوثيقة استسلام وبصداقة اضطرارية. كما لا توجد بالضرورة حرب تنهي كل الحروب. لعل مثل هذه الحرب هي الحلم الرطب لقسم كبير من العالم الاسلامي، الذي يرغب في أن يرى إسرائيل مشطوبة من الخريطة، ونحن أيضا، الإسرائيليين، نخطئ احيانا في التفكير بان نصرا عسكريا ساحقا وتاريخيا سيضع حدا لكل الحروب ضد العرب.
حروب صغيرة، حروب استنزاف، هي حلم منظمات الارهاب مثل حزب الله وحماس. الحرب “على نار هادئة”. تميل إسرائيل دوما إلى الانجرار وراء مثل هذه الحروب وتمسك لنفسها في أعلى الرأس متأخرة جدا (22 يوما من القتال في لبنان الثانية و51 يوما في الجرف الصامد).
إذن ثمة من يقولون إن حرب لبنان الثانية كانت “تستحق” الثمن الباهظ اساسا بسبب “الربح” لآلاف من الايام والليالي الهادئة في الشمال، والذي لم يعرف الراحة حتى ذلك الوقت. كان هذا صحيحا لو أن حزب الله جلس على مدى هذه السنين مكتوف الايدي. في هذا الزمن كانت تنشر في وسائل الاعلام الإسرائيلية أنباء مثلما نشرت عشية يوم الغفران (“سلاح المصريين يصدأ بلا استعمال”). غير أنه محظور أن ننسى أنه في السنوات التي انقضت تزود حزب الله بعشرات الاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الدقيقة جدا وآلاف الجنود (وهذه هي الكلمة وليس غيرها) الذين تدربوا (ومئات، شكرا للرب، ممن قتلوا) واكتسبوا خبرة في سورية. مضمون لنا أن كل هذا الهدوء سينسى بعد أن يطلق إلى اراضينا الصاروخ الأول من لبنان، فما بالك إذا سقط عدد كبير من الصواريخ. عندها سنتوقف أيضا عن التحلي بالمنشورات الوقحة عن زعيم حزب الله الذي لا يتجرأ على الخروج من خندقه.
الاستنتاج إذن هو أن إسرائيل يمكنها ويجب عليها أن تخرج إلى الحرب فقط عندما يكون سيف حاد على رقبتها، وعلى قادتها أن يفهموا ويعرفوا بانه لا توجد حروب تكتيكية. فقط حروب كبرى، لشدة الاسف. صحيح أن الصهيونية تعيش على مساحة الزمن التي وفرها لها اعداؤها بقصر ايديهم وغبائهم، الا انهم رويدا رويدا يحصلون هم أيضا على خلايا قاتمة جديدة في الدماغ.
ورغم كل ما كتب حتى هنا، وافترض انه لن تنضم عشرات العائلات الثكلى إلى الجملة التالية، في نظرة إلى الوراء يستحق الشكر أولمرت، بيرتس وحالوتس على عشر سنوات هدوء في الشمال. وهذا أيضا شيء ما…
مركز الشرق العربي