حاصرنا صدّام حسين. إذا قيل أن التمدد الإيراني بات خطراً جدياً على الدول العربية ومصالحها، ظهر من يرد أن الحل الوحيد الناجع في مواجهة الأطماع الإيرانية هو ذاك الذي اتبعه ديكتاتور العراق السابق ودليله أن النفوذ الإيراني ظل ملجوماً إلى أن أطاح الغزو الأميركي بصدام.
وعند الحديث عن مواجهة إسرائيل، يحضر صدام بصفته الرئيس العربي الوحيد الذي تجرأ على إطلاق صواريخه البعيدة المدى على قلب «الكيان الصهيوني». أما الأكراد المتهمون بحرق القرى العربية في الحسكة هذه الأيام فصدّام مدرسة في التعامل معهم، من إدارة العملية السياسية التي أفضت إلى معاهدة 1970 وإعلان الحكم الذاتي في 1972، ثم إبادتهم في عملية «الأنفال» التي دشنت استخدام الأسلحة الكيماوية في الصراعات الداخلية، بعد أن تمردوا عليه.
التنمية والتعليم والخدمات الصحية كلها شهدت إنجازات في عراق صدام حسين ناهيك عن بناء جيش ضخم مسلح بعتاد حديث على ما يقال. بل إن إعدامه برهان على نجاحه بعدما أثار غضب المتآمرين. عليه، لا يكون أمامنا من حلول لمشكلاتنا المستعصية غير إحياء صدام حسين، كنهج في الحكم على الصعيدين الداخلي والخارجي.
هذه المواقف التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية، تتجاهل جملة من الحقائق التي ترقى إلى مستوى الدروس في التعامل مع الأنظمة الشبيهة بنظام صدام حسين والظروف التي أنتجته. من الحقائق تلك أن نظام صدام وأشباهه يشكل نهاية مسار سلكته المجتمعات العربية بين الخمسينات والسبعينات، وأن المسار هذا ساهم مساهمة حاسمة في وصول منطقتنا إلى ما هي عليه اليوم.
انسداد آفاق التطور في العلاقات الداخلية ونبذ التداول السلمي للسلطة وسيادة العقلية الانقلابية ومنطق القوة والعنف الذي وسم السلوك السياسي على مدى عقود طويلة، أنتج لنا صدام حسين في العراق وحافظ وبشار الأسد في سورية ومعمر القذافي في ليبيا وغيرهم، وارتدّ استطراداً على شكل الفراغ الرهيب في المجتمع والخواء والفقر والتهميش الذي باتت الأكثريات تشكو منه قبل الأقليات.
وليس من حاجة إلى إعادة التأكيد على هول الكوارث التي جرّ صدام حسين وأصحابه وأشباههم البلاد العربية إليها، فها هي تشهد على نفسها بنفسها. بيد أن المهم في السياق هذا هو محاولات تبييض صفحات هذا النوع من الأنظمة ورفعها إلى مصاف العلاجات الناجعة لأزماتنا السياسية والاجتماعية.
يعلم العرب منذ ابن خلدون، أن الدولة كيان منفصل عن المجتمع متعالٍ عليه وأن ازدياد قوتها مرادف لتصاعد بطشها بمواطنيها أولاً. ولا تصدر الدعوات إلى إحياء النهج الصدامي سواء في مواجهة إيران أو كترياق لمرض الانقسامات العرقية والطائفية إلا من يائس لا يستطيع النظر إلى الأمام إلا بالاستدارة إلى الخلف.
والحال أن الصدامية لم تمت بعد، على ما برهن نوري المالكي قبل سقوطه ويبرهن رؤساء كثر في أنحاء العالم العربي. فصميم النهج الذي مثّله حاكم العراق السابق ما زال حياً وبصحة طيبة، لكن ما تغير هو الوجهة التي يسير بها خلفاء صدام وتلامذته. وما نرتع به اليوم علامة على قوة الحضور الصدامي وليس ضعفه.
الحياة اللندنية: حسام عيتاني