كنت أنوي الكتابة عن احتفالات اليوم الوطني في الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، في ظل أزمات صحية واجتماعية وسياسية واقتصادية. ومع ذلك، ثمة ملف سوري إنساني طارئ من المقرر أن يجري اتخاذ قرار بشأنه داخل الأمم المتحدة، هذا الأسبوع، أرى أنه ينبغي أن يشكل أولوية أمامي. في 10 يوليو (تموز)، سينتهي سريان قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يسمح بتوصيل مساعدات إنسانية من تركيا إلى داخل إدلب.
ويجب أن يصوّت مجلس الأمن لصالح قرار جديد من أجل أن تمضي الأمم المتحدة في تنسيق عملية توصيل المساعدات. اليوم، يحصل قرابة ثلاثة ملايين مدني سوري على إمدادات غذائية وطبية من خلال معبرين حدوديين من تركيا يخضعان لإشراف الأمم المتحدة. من جانبه، يدعم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والكثير من الدول تمديد هذا البرنامج، وكذلك إعادة فتح معبر حدودي في الحسكة من أجل توصيل معدات طبية هناك لاحتواء فيروس «كورونا».
في الوقت الراهن، ثمة تردٍّ في الوضع الإنساني داخل سوريا. وتبعاً للإحصاءات الصادرة عن مكتب المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة، ارتفعت أسعار الغذاء في سوريا هذا العام ثلاثة أضعاف. وارتفعت أعداد السوريين في مختلف ربوع سوريا الذين هم بحاجة إلى مساعدات غذائية من 7.9 مليون إلى 9.3 مليون هذا العام. من ناحيته، قال منسق برنامج شؤون المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة، عمران رضا، إنه في نهاية يونيو (حزيران)، ازدادت مشكلة سوء التغذية تردياً، بما في ذلك بين الأطفال. وإلى جانب أزمة الغذاء، جرى رسمياً تسجيل 372 حالة إصابة بفيروس «كورونا» في جميع أرجاء سوريا بحلول السادس من يوليو.
من ناحيتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن العدد الحقيقي بالتأكيد أعلى بكثير، بل حتى الأرقام الرسمية تشهد ارتفاعاً سريعاً. في الوقت ذاته، هناك نقص في الإمدادات الطبية ومعدات الاختبار، ما يجعل من احتواء الفيروس مهمة بالغة الصعوبة على أفضل تقدير.
من ناحية أخرى، تعهدت 26 دولة اجتمعت في بروكسل في 30 يونيو بتقديم 7.7 مليار دولار أخرى من أجل توفير مساعدات إنسانية لسوريا. اللافت أن موسكو لم تشارك في المؤتمر ولم تقدم مساعدات إنسانية جديدة، ومع ذلك فإنها ترغب في تحديد من يتلقى المساعدات. ويهدد دبلوماسيون روس في نيويورك بتعطيل برنامج الأمم المتحدة لتوصيل إمدادات حيوية إلى داخل إدلب.
من جهتها، تفضل موسكو أن تمر جميع المساعدات الإنسانية عبر مركز الأمم المتحدة في دمشق، حيث يمكن للحكومة السورية السيطرة على أيِّ مدن تتلقى مساعدات وأيِّ المدن تُحرم منها.
وتأتي الجهود الروسية لتعزيز سيطرة الحكومة السورية على جميع المساعدات الإنسانية، في إطار حملة دبلوماسية روسية لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بين الحكومة السورية ودول الشرق الأوسط وأوروبا. وترغب موسكو في أن تصبح دمشق الشريك السوري الوحيد في جميع القضايا المرتبطة بالمساعدات وإعادة الإعمار.
وتدّعي موسكو أن العقوبات الغربية تعوق المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سوريا. الحقيقة أنه رغم الادعاءات الصادرة عن واشنطن وبروكسل، تتسبب العقوبات على أرض الواقع في ردع بعض البنوك عن الاضطلاع بتمويل أي مشروع في سوريا، بما في ذلك شراء إمدادات إنسانية. وفي الوقت ذاته، فإن الإجراءات الروتينية البيروقراطية اللازمة للحصول على استثناءات من العقوبات طويلة وغير مؤكدة.
ومع ذلك، فإنه مثلما أوضح صحافيون ومسؤولون من الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية على نحو تفصيلي، تبقى المشكلة الكبرى أمام المساعدات الإنسانية فساد الحكومة السورية واستغلالها. وفي حال إقدام روسيا على تعطيل برنامج الأمم المتحدة لتوصيل المساعدات من تركيا إلى داخل إدلب، فإنه في هذه الحالة لن تكون العقوبات هي التي عطّلت وصول مساعدات جديدة إلى إدلب، وإنما تصرفات الحكومة السورية.
جدير بالذكر أن هناك تراجعاً بالفعل في معدلات توصيل إمدادات طبية إلى داخل الحسكة بسبب تمكن روسيا، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من وقف برنامج الأمم المتحدة الخاص بمعبر اليعربية الحدودي من العراق.
في نيويورك هذا الأسبوع، يتعين أن توجه واشنطن رسالة واحدة مفادها أنه إذا استخدمت روسيا حق النقض (فيتو) في وقف تمديد برنامج الأمم المتحدة لتنسيق دخول المساعدات إلى إدلب، فإن جميع المساعدات الأميركية لبرنامج الأمم المتحدة في دمشق ستتوقف. وآمل أن تحث واشنطن الأوروبيين على توجيه الرسالة ذاتها إلى موسكو.
بعد ذلك، ستصبح موسكو المسؤولة عن إطعام قرابة ستة ملايين يعيشون تحت سيطرة حكومة الأسد بحاجة إلى المساعدة. ويمكن تركيز المساعدات الأميركية والأوروبية على إدلب والخمسة ملايين لاجئ سوري خارج سوريا.
وإذا لم تذعن موسكو، سيتعين على الأميركيين والأوروبيين إيجاد بديل للدور التنسيقي واللوجيستي الذي تضطلع به الأمم المتحدة في إدلب. المؤكد أن هذا سيكون أمراً عسيراً، لكنه يبقى في الإمكان هذه المرة. ويجب أن يبدأ الأميركيون والأوروبيون في الاستعداد من الآن لأن الضغوط الروسية لن تنتهي.
كما أنهم بحاجة إلى العمل مع منظمات إنسانية من أجل إقرار آلية جديرة بالاعتماد عليها للمراقبة في ظل حماية القوات التركية في إدلب. المؤكد أن الأزمة السورية لن تنتهي عام 2020، ونحن بحاجة إلى التفكير في كيفية الحفاظ على برنامج المساعدات الإنسانية بعيداً عن نيران الهجمات الروسية.
نقلا عن الشرق الأوسط _ روبرت فورد