عند قراءة عناوين الصحف, ربما يبدو أن الدعم الروسي للدكتاتور السوري بشار الأسد قلب أخيرا موازين الحرب الأهلية غير الحاسمة لصالحه. القوات الموالية للنظام, مدعومة بالقوة الجوية الروسية والصواريخ البالستية, سيطرت على مناطق رئيسة كانت تقع في السابق تحت سيطرة المتمردين المدعومين من أمريكا وهي تهدد الآن مدينة حلب ذات الأهمية الاستراتيجية. لا تظهر موسكو أي مؤشر على التهدئة, حتى مع الإعلان الأخير عن وقف إطلاق النار في سوريا.
ولكن الدروس المستقاة من حوالي 200 حالة تمرد اندلعت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تشي بأن المساعدات الروسية سوف تفشل في تغيير المعادلة. لا زال نظام الأسد يواجه تحديات حقيقية, ليس أقلها عدم وجود شرعية له بين صفوف الشعب السوري. ربما تجد موسكو أنه من الصعب الحفاظ على تغيير رئيس في توازن القوة على المدى الطويل, خاصة إذا قررت إدارة أوباما – أو الرئيس القادم على الأرجح- العودة مرة أخرى.
دخلت روسيا في الحرب السورية مباشرة منذ سبتمبر. قواتها الجوية التي تتضمن طائرات ميغ-31 وسوخوي-25 وقاذفات توبوليف-22 بعيدة المدى ضربت أهدافا للمتمردين, من بينها الجماعات التي تلقت التدريب الأمريكي. كما قامت بنشر قواعد صواريخ اسكندر أرض أرض البالستية, ووفرت السلاح والتدريب لحكومة الأسد, ونشرت طائرات فوربوست وأورلان -10 بدون طيران لمراقبة الوضع على الأرض. إضافة إلى ذلك, قدمت روسيا الدعم لمجموعة من الميليشيات الموالية للنظام في سوريا.
مثل هذه المساعدات, إضافة إلى المساعدات الإيرانية, سمحت للأسد بتعزيز موقعه, مؤقتا على الأقل. القوات الموالية للنظام تتقدم في مناطق استراتيجية شمال وجنوب سوريا. بداية هذا الشهر, وبمساعدة من مقاتلين شيعة وطائرات الروسية سيطرت الحكومة السورية على بلدات هامة قرب حلب. وهم يسيطرون الآن على الطريق السريع الذي يؤدي إلى مدينة اعزاز قرب الحدود التركية, وهو طريق كانت له أهمية كبيرة كخط إمداد لجماعات المعارضة.
أنصار الأسد منتشون بهذه الانتصارات. صرح وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان في مؤتمر صحفي خلال زيارته في فبراير إلى موسكو :” وجود روسيا في سوريا أثر دون شك على جو الأمن وغير من ميزان القوة”.
في حين ربما يستمر الأسد وحلفاءؤه في السيطرة على المزيد من المناطق في الأشهر القادمة, إلا أن النظام لا زال يواجه عقبات كبيرة. لا زال نظام الأسد يفتقر إلى الشعبية بصورة كبيرة كما أنه من بين أسوأ الحكومات أداء في العالم. يصنف البنك الدولي النظام أسفل كل فئة رئيسة في الحكم, مثل السيطرة على الفساد والكفاءة في تقديم الخدمات والقدرة على إنشاء قاعدة قانونية سليمة. كما أن المتمردين السوريين يتمتعون بملاجئ في الدول المجاورة مثل الأردن وتركيا. وهذا يتيح لهم ملاذا آمنا بعيدا عن سيطرة الحكومة يمكنهم من التجنيد والحفاظ على خطوط إمداد.
يظهر التاريخ أنه من المستحيل تقريبا هزيمة المتمردين من قبل حكومة غير فعالة وغير شرعية, خاصة عندما يتمتع المتمردون بمساعدات وملاذات خارجية. شهدت واشنطن هذه الحقيقة الباردة في فيتنام وأفغانستان. كذلك موسكو في أفغانستان في الثمانينات, رغم أنه يبدو أن القادة الروس نسوا ذلك تماما.
يجب أن تتمثل أهداف أمريكا الآن في منع انهيار جماعات التمرد الأساسية, وذلك لتشجيع الوصول إلى حكومة شاملة وشرعية, ولهزيمة الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في سوريا.
مع تقدم النظام, على الولايات المتحدة أن تزيد من حجم مساعداتها للمتمردين, وأن تستثني الجماعات المتطرفة, والاستمرار في الدفع باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية. وعلى الكونغرس أن يصوت على تقديم المزيد من التمويل والتدريب والأسلحة المتطورة مثل مضادات الدبابات لجماعات معينة مثل القوات الكردية التي تقاتل الدولة الإسلامية شمال سوريا والجبهة الجنوبية المدعومة من الأردن, التي تقاتل كلا من النظام والدولة الإسلامية. كما يتوجب على الولايات المتحدة أن توفر التدريب والتمويل لمعسكرات تدريب المتمردين في الدول المجاورة مثل الأردن وتركيا.
بعض متخذي القرار الأمريكان, مثل وزير الخارجية جون كيري, قالوا بأنه ليس هناك حل عسكري للحرب في سوريا. ولكن التاريخ يظهر حقيقة أكثر دقة. أكثر من ثلثي حركات التمرد انتهت بانتصار عسكري. وحوالي ثلثها انتهت بوسائل سلمية, وعادة يتم تسوية النزاع بعد الوصول إلى حالة من الجمود العسكري.
على صانعي القرار الأمريكان تقبل هذه الحقيقة, والتصرف وفقها لإبقاء بعض من معارضي الأسد صامدين. ربما يكون الجمود أفضل طريقة لتأمين الوصول إلى اتفاق سياسي لإنهاء الحرب.
مركز الشرق العربي