لا بد أن المتابع للأوضاع في سورية يمكنه بسهولة ملاحظة التصعيد الكبير الحاصل، والذي وصل إلى ذروته بالضربة الأمريكية التي لم تكن لتخطر على بال أهم المحللين السياسيين أو حتى كبار الاستراتيجيين، وخاصة مع تصريح الأخيرة السابق بأن تنحية الأسد ليس من أولويتها وذلك على لسان سفيرتها إلى الأمم المتحدة نيكي هيلي، أو تصريح وزير خارجيتها تيلرسون الذي أفاد بأن مصير بشار الأسد سيحدده الشعب السوري، مما شجع الأسد على استخدام الكيماوي في خان شيخون كاختبار للنوايا الأمريكية، أو ربما كخطوة أولية في مشروعه لإبادة إدلب، والتي أكدت المعارضة أن وزير خارجية أمريكا السابق كيري قد أعلمها بهذا المخطط مسبقا.
ولكن النتيجة لم تكن كما توقعها النظام ومن خلفه حلفاؤه الروس والإيرانيون، والذين ظنوا جميعا أن الساحة قد خلت لهم ليتمددوا فيها كما يشاؤون، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تبعته الاستنكارات الحاسمة ضمن اجتماع السبعة الكبار في إيطاليا، والذي انتهى بتصريحات حادة، منها ما أدلى به وزير خارجية أمريكا بأن حكم عائلة الأسد قارب على الانتهاء وذلك قبل توجهه مباشرة إلى روسيا حاملا معه العرض النهائي للأخيرة، فإما التخلي عن الأسد والانضمام إلى نادي الكبار، أو البقاء حليفة له وكسب عداء العالم المتحضر… لتتصاعد الحرب الكلامية منتهية بالشتيمة التي طالما أهان بها النظام السوري والعاملين ضمن دائرته من مخابرات وأجهزة أمنية معظم المواطنين السوريين الأبرياء… عندما قال ترامب قائد أقوى دولة في العالم: بشار الأسد.. حيوان!
وبغض النظر عن خفايا الأمور التي أدت إلى هذا التصعيد الأمريكي ضد النظام السوري وحلفائه، والتي لن ندخل فيها ضمن هذا المقال، فنحن لسنا من السذاجة بمكان لتصديق أن دافع أمريكا لضرب مطار النظام هو صحوة ضمير مفاجئة بسبب صور الأطفال الذين قتلهم الأسد، ولا الخراب والبراميل التي قذفها وما زال على شعبه… ولا بد أن خلف الأكمة ما وراءها، ولكن ورغم كل ذلك فما يهمنا هو ان هذا التصعيد يشكل فرصة هامة للمعارضة السورية لتستغلها لتحقيق أكبر ما تستطيع من مكاسب.
إن أحد العوامل التي تمنع الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى المتصارعة من إنهاء ما يحصل في سورية هو عدم وجود “البديل المناسب” حسب تصنيفها، والذي يعني نظام بديل ممثل برجل له قوة على الارض، يستطيع تحريك ميليشيات أو أجهزة دولة في سبيل الحفاظ على مصالح هذه الدول أو تنفيذ أوامرها، مما يعني الاستمرار في تكريس سورية كدولة تابعة لهذه الأنظمة العالمية، رجل كالسيسي في مصر، أو حفتر في ليبيا!
وللأسف ورغم أن هذا النوع من الاستبدال قد أثبت فشله الذريع، وخطورته الشديدة، ليس على المنطقة فحسب، وإنما على النظام العالمي بأسره، إلا أن هذه الأنظمة العالمية ما زالت مقتنعة بأهمية وجود هذا النوع من البدائل، فبالنظر إلى الوضع في مصر فإننا نجدها قابعة على فوهة بركان على وشك الانفجار في أية لحظة، وإن حصل ذلك لا قدر الله فلن يكون بالسهل لملمة التداعيات، أو حتى ليبيا التي تعاني ما تعاني من اقتتال وفوضى وصلت آثارها حتى أوروبا، وما هذا إلا غيض من فيض، فتلك البلاد لا تلبث تزيد خصوبتها كحاضنة للعناصر الإرهابية أو الجماعات المتطرفة، التي ستؤرق العالم لأجيال إن لم يتم إنهاء الوضع بتطبيق حلول وطنية مناسبة دون تدخلات تخريبية خارجية.
كل هذا يزيد العبء على المعارضة السورية اليوم ويحمَلها مسؤولية التقدم بكل قوة نحو الأروقة الدبلوماسية، فالحرب الآن حرب سياسية بامتياز، وعليها أن تقدم مشروعها المتكامل ورؤيتها الواضحة لإقناع القوى الدولية أنها تمثل البديل المناسب، والاختيار الصحيح لاستقرار المنطقة، ووجوب التعاون معها لإنهاء الوضع الجنوني الحالي.
طبعا هذا يستلزم من المعارضة تحييد صراعاتها الداخلية، وتوسيع آفاق وأبعاد رؤيتها التي لم تتجاوز في بعض الأحيان طول أنوفها للأسف! فحتى من منظور براغماتي بحت فإن الوضع الحالي يستوجب من بعض الشخصيات والجماعات المتسلقة للثورة أن تؤجل أطماعها الشخصية، وتظهر الجانب الوطني –ولو مؤقتا- فتقديم التنازلات اليوم قد يوصلها إلى أطماعها لاحقا، ولكن ان ظلت مصرة على اقتسام الغنائم قبل الفوز بالحرب؛ فإنها بذلك لن تحصل لا على عنب الشام ولا غيره ما دام هذا “الحيوان”.. عذرا أقصد بشار الأسد في السلطة!
الاجتماع على الهدف الحالي وهو إسقاط النظام، والتركيز على تقديم البديل الجاهز لقيادة المرحلة المقبلة ممثلا بمجموعة أو شخصية وطنية توافقية، مقبولة من معظم الأطراف الدولية والإقليمية، ومقبولة حتى من قبل معظم أطراف الشعب السوري، محملة برؤية وطنية واضحة لمستقبل سورية الحديثة كدولة مواطنة، هو ما سيمثل تحديا حقيقيا للمعارضة السياسية، وهو ما سيمثل طوق النجاة لسورية من مصير مظلم يتم فيه استبدال النظام الحالي بنظام جديد شبيه بنظام حفتر أو السيسي، يؤدي بالشعب السوري والمنطقة كاملة إلى ويلات جديدة ستطال الجميع بدون استثناء.
ترك برس