مخيم الهول (سوريا) (أ ف ب) – أمام عيادة في مخيم الهول في شمال شرق سوريا، تنتظر مهى الناصر أن يعاين الأطباء طفلتها المصابة منذ أشهر بتلف دماغي وشلل في أطرافها، نجما عن ارتفاع حرارتها لأيام متواصلة من دون تلقي العلاج المناسب.
على غرار كثيرات ينتظرن مع أطفالهن في ظل درجات حرارة لامست الخمسين، تبدو ملامح اليأس والتعب واضحة على وجه الأم التي تحمل طفلتها فاطمة (14 شهراً) ذات الشفاه المتشققة والبنية الهزيلة.
وتقول مهى، وهي سيدة منقبة في الثلاثينات من عمرها لوكالة فرانس برس “لم تكن تعاني من أي مرض، وفجأة ارتفعت حرارتها.. ولم يتوفر دواء لخفض حرارتها هنا ما أدى الى اصابتها باختلاجات”.
وتضيف “أحياناً تفقد الوعي ويخرج الزبد من فمها، وتبدو كأنها شبه ميتة”.
وتروي بحسرة أن طفلتها أصيبت بتلف دماغي وشلل كامل، ما جعلها عاجزة عن التفاعل والحركة. ورغم ارسالها مرات عدة إلى مشفى خارج المخيم للعلاج، لم يتحسن وضعها.
قبل أكثر من ستة أشهر، خرجت مهى مع زوجها وأطفالها الستة من قرية الباغوز، التي شكلت المعقل الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا، قبل دحره منها في 23 آذار/مارس الماضي إثر هجوم شنته قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وعلى غرار عشرات الآلاف من النساء والأطفال، أرسلت قوات سوريا الديموقراطية مهى وأطفالها إلى مخيم الهول، بينما نقلت الرجال وبينهم زوجها إلى السجن للتحقيق معهم.
ويؤوي مخيم الهول حالياً أكثر من سبعين ألف شخص، يعتاشون من مساعدات محدودة تقدّمها لهم المنظمات الدوليّة. ووصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً الوضع فيه بـ”الكارثي” بينما تحدّثت منظمة هيومن رايتس ووتش عن “ظروف مروعة” في “مخيم صحراوي مغلق”.
وتبدي مهى خشيتها على حياة طفلتها في ظل “الوضع الصحي السيء وتأخر الحصول على العلاج”، مضيفة “يرافق الاسهال الأطفال دائماً ولا تفارق الأمراض هذا المخيم اللعين”.
وتضيق باحة العيادة التابعة للهلال الأحمر الكردي بنساء يحملن أطفالا، لا يتوقف بعضهم عن البكاء، بينما تحمل أخريات أدوية أو أمصالا معلقة بأيدي أطفالهن. وتأتي بين الحين والآخر نساء أجنبيات من زوجات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية برفقة عناصر من قوات الأمن الداخلي الكردية “الأساييش”.
– ديدان ومراحيض فائضة –
في المخيم، يتجمع أطفال تحت شمس حارقة ليملأوا عبوات بلاستيكية بمياه توزعها شاحنة عليهم أو من خزانات موزعة في أنحائه.
وتشكو أم طلحة، سيدة عراقية في الأربعينات، من المياه غير النظيفة التي يُزودون بها للشرب، بينما يعاني طفلها (تسع سنوات) من اسهال دائم ودرجات حرارة مرتفعة.
وتقول لفرانس برس “أحياناً تأتينا مياه لونها أخضر أو أصفر ومالحة. لا نعلم من أين يأتون بها”.
وتتابع “إبني الآن بين الحياة والموت وننتظر العلاج”.
وفي تقرير نشرته الإثنين، تحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش عن “ظروف قاسية” داخل المخيم، حيث توجد “مراحيض فائضة، ومياه مجارٍ متسربة إلى الخيام الممزقة، وسكان يشربون مياه الغسيل القذرة من خزانات تحتوي على ديدان”.
وقالت إن فرقها عاينت “أطفالاً صغاراً لديهم طفح جلدي وأطرافهم نحيلة وبطونهم منتفخة ينبشون أكوام القمامة النتنة”.
ويقر عاملون صحيون ومسؤولو المخيم بوفاة أطفال جراء اصاباتهم بإسهال حاد وسوء تغذية وأمراض شبيهة بالانفلونزا.
ويقول المسؤول عن عيادة الهلال الأحمر الكردي في المخيم رمضان يوسف الظاهر لفرانس برس “توفي عشرون طفلاً على الأقل منذ مطلع الشهر، بعضهم أثناء الولادة وآخرون بسبب سوء التغذية”.
وأحصت الأمم المتحدة وفاة 240 طفلاً في طريقهم إلى المخيم أو عند وصولهم إليه منذ بدء حركة النزوح من الباغوز نهاية العام الماضي.
ويرد الظاهر أسباب الوفاة إلى “جو حار جداً وبيئة غير صحية ونقص في المياه، ما يساعد على انتشار الأمراض كالإسهال وسوء تغذية” يصعب علاجه أحياناً، لافتاً الى استقبال العيادة خمسين طفلا مريضا يومياً.
– “يريدون إذلالنا” –
وتشكل رعاية قاطني المخيم عبئاً كبيراً على الإدارة الذاتية الكردية، التي تعتمد على مساعدات من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، وتعتبرها “غير كافية”.
وتقول أم أسامة (25 عاماً) من مدينة حلب (شمال) لفرانس برس “نعيش على البرغل والأرز” مؤكدة أن المساعدات “لا تكفينا”.
وتضيف بغضب من خلف نقابها “يريدون فقط إذلالنا”.
وتعبر أم حذيفة (34 عاماً) بدورها عن سخطها من عدم السماح لها بالعودة إلى بلدها العراق.
وتقول “يسجنوننا هنا ولا نستلم المساعدات، ليفتحوا لنا الباب.. نريد فقط العودة إلى بلادنا”.
وأعلن الأكراد في نيسان/أبريل الاتفاق مع بغداد على إعادة نحو 31 ألف عراقي إلى بلادهم، إلا أنه لم يبدأ تنفيذ الاتفاق بعد. ولا يشمل هذا العدد المقاتلين في التنظيم.
ويشكل السوريون والعراقيون النسبة الأكبر من قاطني مخيم الهول، الذي يضم قسماً خاصاً بعائلات المقاتلين الأجانب. ويقدر الأكراد وجود 12 ألف أجنبي، أربعة آلاف امرأة وثمانية آلاف طفل، في ثلاث مخيمات في شمال شرق سوريا، غالبيتهم في الهول وقيد حراسة أمنية مشددة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن ظروف جناح الأجانب في الهول “غير مقبولة وغير معقولة”.
وتتردد غالبية الدول الغربية في استعادة رعاياها. ويطالب الأكراد بدعمهم لانشاء محكمة دولية لمحاكمة المقاتلين الأجانب ولترحيل عائلاتهم إلى دولهم.
ورغم أن أم حسين (26 عاماً) التي غادرت العراق منذ أعوام تشكو من سوء الطبابة وقلة المساعدات، إلا أن ما يقلقها هو تعليم أطفالها.
وتقول “لا يوجد تعليم جيد هنا ولا اهتمام بأطفالنا.. نريدهم أن يتعلموا القرآن، أليس هذا من حقنا؟”.
وتضيف بانفعال “نأخذ أطفالنا إلى المدرسة لنجدهم يرقصون ويدبكون.. هل هذا هو التعليم؟”.
نقلا عن فرانس 24