أولاً: لعبة تصنيع المعارضات
في ظل غياب قوى سياسية حقيقية في سورية، تلجأ “المكونات السياسية المعارضة”، التي عاشت عقوداً في ظل الاستبداد، إلى زيادة قاماتها القصيرة سياسياً عن طريق وسيلتين اثنتين لا ثالث لهما، هما الإعلام والعلاقات الخارجية، وهي إذ تسير في هذه الطرق الوعرة والمليئة بالمطبات تتحول بالضرورة إلى لعبة بيد القوى الخارجية ووسائل الإعلام، خصوصاً في ظل غياب الفكر والسياسة، ونسبياً في بعض المحطات الأخلاق السياسية، على الرغم من أوهام بعضها حول نفسه وتظاهره بامتلاكه الحنكة والبصيرة.
الوزن السياسي لقوى المعارضة ضعيف أو مهمل، فهي قوى غير متبلورة، ولا تملك جسداً تنظيمياً متيناً، على الرغم من أن معظمها قوى قديمة العهد، وبدلاً من أن تسعى لترميم هذه النواقص، ذهبت في اتجاه ممارسة البهلوانيات والخفة السياسية، مستجيبة للعبة الإعلام والعلاقات الخارجية، ربما لأن هذين الميدانين أسهل الطرق للشهرة وتلبية الحاجات النفسية، لكن يبقى أن القيمة التي يتوهمها البعض لنفسه مصدرها إيحاءات كلامية فحسب من قوى خارجية، والهدف مناكفة قوى معارضة أخرى تتبع لمحاور خارجية أخرى.
جميع مكونات “المعارضة” اليوم تسير استناداً إلى إيقاع إقليمي دولي، مع اختلاف نغمة الإيقاع، مرة استجابة لنغمة تركية قطرية، ومرة أخرى تجاوباً مع نغمة سعودية مصرية، وعلى الجانب يتفاعل بعضها مع نغمات إيرانية روسية، وبعضها الآخر لا يعرف على أي نغمة يسير. المهم أن جميع المكونات، في ظل غياب الأوزان السياسية، اندرجت في خدمة سياسات الآخرين بشكل أو آخر، ولذلك كانت اللقاءات التي تحدث بين عدة أطراف تخضع بالضرورة دوماً لاعتبارات المحاور الخارجية المتبدلة. الدول اليوم (أو بالأحرى أجهزة مخابراتها) هي التي تختار وفود المعارضة السورية وشخصياتها، فهذه هي القاهرة تختار عدداً من الشخصيات، وتضع الحظر على غيرها، وتلك هي موسكو قد اختارت وفداً تفاوضياً مرسوماً بالفرجار الذي لا تزيد زاويته على قياس خصر “النظام السوري”، ومن قبلهم كان الفائزون في “انتخابات” “الائتلاف الوطني” محط استقطابات وتدخلات تركية وقطرية وسعودية.
الملف السوري اليوم بالنسبة للدول الإقليمية هو ملف أمني بالدرجة الأولى، وليس ملفاً سياسياً، تديره أجهزة مخابراتها، التركية والمصرية والسعودية والإيرانية … إلخ، حتى لو ظهر في العلن أن وزارات خارجية الدول حاضرة مباشرة أو من خلال منظمات مجتمع مدني تتبعها (كما حدث في دعوة القاهرة الأخيرة)، وهذا مكمن الخطورة في تحركات “قوى المعارضة” اليوم.
ولذلك، كانت تحركات المعارضة وتحالفاتها متبدلة تبعاً لتبدل العلاقات الإقليمية وموازينها، فالبيان الذي تم توقيعه في القاهرة مثلاً جاء منسجماً مع الخطاب “السنغافوري” المعتاد من إحدى الجهات “المعارضة”، أي “هيئة التنسيق الوطنية”، وكانت حياديته الظاهرة أشبه بخطاب جمعية حقوق إنسان في سويسرا. ومن جهة ثانية، جاء منسجماً مع خط سياسي إقليمي (السعودية-مصر)، ويؤكد ذلك أن الأفراد الذين شاركوا من جهة معارضة أخرى، أي “الائتلاف الوطني السوري”، هم من المقربين للمملكة السعودية.
إذا استرجعنا التوصيف الدارج للائتلاف الوطني بأنه يمثل “معارضة اسطنبول” أو “معارضة أردوغانية”، كما يحلو لبعض “المعارضين” نعته، فإنه يمكن بالمثل توصيف “المعارضة” التي اجتمعت في القاهرة بـ “المعارضة السيسية”، مع أن التوصيفين ظالمين من حيث أنهما يشملان عديداً من الأفراد الذين ليسوا أردوغانيين ولا سيسيين. لكن إذا خرجنا من إطار التوصيف الظالم إلى إطار السياسة الواقعية لا نستطيع إلا أن نقر بوجود عملية تصنيع لمعارضة سورية جديدة على مقاس السيسي، القريب بالضرورة من مقاس “النظام السوري”، وبدعم سعودي واضح، في مقابل “معارضة أردوغانية” بدعم تركي قطري. كيف نفسر أن تسمح السلطات المصرية لبعض القوى والأفراد من “المعارضة” بالمشاركة في اللقاء، بينما تمنع آخرين؟ مع العلم أنها سمحت قبل لقاء القاهرة بأيام بحضور مجموعة من “المحامين” السوريين برتبة شبيحة. ألا يصب ذلك في إطار تصنيع معارضة تحوز على الرضى المصري؟ كيف يقبل السادة “المعارضون” الحاضرون في اللقاء بذلك؟ وهل يمكن أن نصدق دعواتهم لوحدة “المعارضة”؟ وهل يصب هذا السلوك في طاحونة الأخلاق السياسية أو الديمقراطية؟
“المعارضة السيسية” في العموم هي معارضة أيديولوجية، قومية وشيوعية، تلهث للقيام بدور أشبه بالدور الذي قام به حمدين صباحي في مصر، دور شرعنة و”تحليل” الحكم العسكري، بينما تسعى “المعارضة الأردوغانية” لإلباس سورية ثوباً دينياً عقائدياً لا يتناسب مع العصر وحاجات السوريين بمن فيهم المسلمين العاديين أو الطبيعيين، حتى أن أركانها لم تتعلم من إيجابيات التجربة الأردوغانية في حكم تركيا طوال السنوات الماضية. السؤال المهم هو لماذا تأخذ القوى “المعارضة” سمة نظام الحكم الذي تجتمع في بلده؟ إذا اجتمعت في تركيا تصبح أردوغانية، وإذا اجتمعت في القاهرة تصبح سيسية، وإذا اجتمعت في دمشق تصبح أقرب إلى “الجبهة الوطنية التقدمية”. لماذا تصر “القوى المعارضة” على الخضوع للعبة الأواني المستطرقة فتأخذ آراؤها شكل المكان الذي تجتمع فيه؟!
ثانياً: لقاء القاهرة في سياق التصنيع
بيان القاهرة الختامي بحدّ ذاته يشي بطبيعة المعارضة السيسية المصنّعة، إذ يمكن قبول هذا البيان فيما لو كان حصيلة تفاوض بين النظام وقوى المعارضة، لكن أن يكون من نتاج المعارضة لوحدها فلا يمكن فهمه، إذ لم يحدث أن خلع أي متفاوض فيما مضى ثيابه قبل جولة التفاوض. أنت ضعيف، فإن تنازلت أو لم تتنازل لا تأثير لك على طبيعة الحل المحكوم، شئنا أم أبينا، بموازين القوى. طالما الأمر كذلك، من الأفضل وقتها إما الانسحاب من التفاوض والصمت أو رفع السقف عالياً، مستقوياً على الأقل بحاجة الطرف الآخر إليك في العملية التفاوضية.
اعتبر البيان مثلاً في إحدى فقراته أن “عدم اتحاد جهود المعارضة كان عاملاً سلبياً وسبباً من أسباب استدامة النزاع”. هذا صحيح، لكن لماذا يغيب في معظم الأحيان السبب الأساسي والجوهري لما يسمونه “النزاع” في بيانات هذه “المعارضة”، حتى أن البراميل التي تلقيها الكائنات الفضائية على شعبنا “قد تخطئ أهدافها”. لعنة الله على تلك الكائنات الفضائية التي لا تعرف الرحمة، وعلى البراميل الحمقاء التي لا تدرك طريقها فتخطئ وتحرج تلك الكائنات الوديعة والمسالمة القادمة من الفضاء.
بعض أطراف هذه “المعارضة” يعتقد أن هذا النمط من الخطاب “حكمة”، وبعضها الآخر له أسبابه “الأيديولوجية” التي تجره من رقبته رغماً عن أنفه، فيما لا يمكن نفي سمة التوافق مع النظام لدى البعض الأخير أيضاً. ربما تكون هذه المعارضة مدمنة على شيء من المازوخية في تحميل شعبنا و”معارضاته” المسؤولية عما جرى ويجري. ففي بيانها بعد الجولة الثانية لمؤتمر جنيف2، بتاريخ 17 فبراير حملت “هيئة التنسيق الوطنية” مسؤولية فشل المفاوضات لـ “الائتلاف الوطني السوري”، وقالت “إن أسباب الفشل كثيرة، وأهمها أن وفـد المعارضة لا يمثل قوى المعارضـــة والثورة في الداخل والخارج”، وطالبت بتشكيل “وفد وازن ومقبول للمعارضة السورية”، ولم تقل شيئاً حول مسؤولية “النظام السوري”، على الرغم من أن العالم كله يعرف من هو المسؤول. ستشارك الهيئة في منتدى موسكو، من ضمن وفد “المعارضة” الذي اعترضت عليه في البداية، لكنها ربما اكتشفت فيما بعد أن هذا الوفد “وازن ومقبول”، فعادت وقبلت المشاركة، في حين رفضت المشاركة في مؤتمر جنيف آنذاك لاعتراضها على حصتها في التمثيل. هل ستحمل “هيئة التنسيق” مسؤولية فشل لقاء موسكو القريب لنفسها أم للنظام كي نعلم بأي ميزان تكيل؟ نرجو أن تحمل نفسها كامل المسؤولية سلفاً لأنها شاركت أصلاً في هذا اللقاء، مع الانتباه أنه شتان بين المشاركة في منتدى موسكو والمشاركة في مؤتمر جنيف1 و2.
عُقد لقاء القاهرة بدعوة من “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، تحت شعار “توحيد المعارضة السورية والدفع باتجاه الحل السياسي عبر الحوار السوري ــ السوري”. جدير بالذكر أنه عندما لا تعد جيداً للقاء سياسي بين مجموعات سياسية متباينة، استناداً إلى معايير واضحة وموضوعية، يكون هذا اللقاء فرصة جديدة لمزيد من التباعد بينها، إن لم نقل محطة جديدة لتذرر المجموعات ذاتها. غايتك جمع القوى، فيما واقعياً لا تنتج إلا مزيداً من الفرقة.
كان اللقاء بلا جدول أعمال مسبق أو ورقة عمل أولية، ولم تحدد أسماء المدعوين إليه، وليس هناك معايير واضحة وموضوعية لاختيار المدعوين، واستبعدت منه السلطات المصرية بعض الشخصيات والقوى السياسية، ربما انسجاماً مع تصنيفات “النظام السوري للمعارضة والمعارضين”، ووصلت الدعوة إلى المشاركين قبل يومين أو ثلاثة من عقده، وجاءت الدعوة من منظمة مجتمع مدني “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، ربما ليسهل على السلطات المصرية التنصل من اللقاء في أي لحظة بحسب مسار الواقع والحوادث، وسبقه إعلان “هيئة التنسيق الوطنية” بالموافقة على المشاركة في منتدى موسكو، وكان الأولى أن يجري التوافق على هذا الأمر في اللقاء، خصوصاً أن اللقاء يعقد تحت شعار “وحدة المعارضة السورية”. كما يأتي هذا اللقاء في سياق وضع دولي غير مهتم بالوضع السوري، وثمة مؤشرات عدة على نشاط محور سعودي مصري مكلف بتصنيع معارضة تقبل بسقف مطالب منخفض، وعلى سعي تدريجي لعودة العلاقات بين النظامين السوري والمصري، وربما ما هو أبعد من ذلك، أي عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية.
ثالثاً: مرتكزات ووصفة حل
ما تقدم تحليل سياسي، قد يخطئ وقد يصيب، وهذا التحليل شكل من أشكال النقد والتحذير في آن معاً، ولا علاقة له بتناول شخوص الأفراد المشاركين ولا نياتهم ولا مقاصدهم، ولا حتى التشكيك بوطنية أحد منهم، فهذا أمر لا يجوز أبداً أن يكون على أجندة أحد، مهما كان التباعد في الرؤية، بل إن بعض المشاركين مشهود له في العمل الوطني والحرص على تحقيق أهداف الشعب السوري في ثورته. وفي هذا السياق، أثبت بعض النقاط التي أعتقدها أساسية إذا ما أردنا التفكير بمخارج وحلول للوضع المزري لـ “المعارضة السورية”:
1- “المعارضة السورية” الحالية، بجميع تكويناتها، جزء من المشكلة الوطنية السورية، كما المشكلات الأخرى المتراكمة على جدول الأعمال الوطني، وتبقى المشكلة الأساسية بالطبع هي “النظام السوري”. هذا معناه طرد حالة الرضى عن الذات والتحللي بقدر كبير من التواضع.
2- معظم اجتماعات “قوى المعارضة” اليوم، في اسطنبول والقاهرة وأبوظبي وجنيف وغيرها، هي مضيعة للوقت، خصوصاً في ظل الآليات المعيقة السائدة، ولن تحصد من ورائها إلا الهباء، ولن يكون لها تأثير في الحالة الراهنة على أي حل من أي طبيعة كان، خصوصاً أن هذه الاجتماعات تأتي انسجاماً مع المحاور الدولية والإقليمية اليوم، وهذه متغيرة بانتظار اللاعب الأميركي وخياراته في لحظة ما.
3- لا قيمة لأي بيان يصدر عن مجموعة “قوى معارضة”، طالما لم يكن بين قوى سياسية واضحة ومتبلورة، ولم يكن حصيلة توافق أوسع مجال من “قوى المعارضة”، وإذا لم يتبعه ضبط واضح وصريح لمسألتي الإعلام والعلاقات الخارجية استناداً إلى رؤية توافقية متماسكة ملزمة للجميع على مستوى “المعارضة”.
4- “المعارضة السورية” بصيغتها الراهنة لا تملك أي أوراق حل بعد سيطرة السمة العسكرية على الصراع في سورية، ولا تستطيع قواها كافة أو بعضها إلزام المجموعات العسكرية بشيء. كل ما تستطيعه “المعارضة” اليوم هو تغطية هشة ومؤقتة لحلول سياسية مقترحة من محاور خارجية، إقليمية ودولية، واستثمار حاجة هذه المحاور إلى طرف مقابل للنظام في العملية التفاوضية، فعلى “المعارضة” ألا تصاب بوهم الاعتقاد أن الحل السياسي يتوقف على دورها.
5- إن من يتوقع حلاً سياسياً قريباً هو واهم بكل تأكيد، ولا يقرأ الواقع الراهن جيداً، وإذا كان الحل السياسي مطلوباً فهذا لا يعني أن يأتي كيفما اتفق. في الحقيقة، سحرة الحل السياسي لا يقلون سذاجة عن سحرة الحل العسكري، فهم لا يملكون سوى الكلام والرؤى النظرية وعلاقات دولية غير موثوقة، لذا من الضروري ألا تتحول مقولة “الحل السياسي” إلى مقولة سحرية ومعبودة، فليس كل حل سياسي ملائم ومقبول، وكثير من الحلول السياسية أنتجت كوارث في بلدان عديدة (الحلول السياسية في العراق ولبنان ما زالت حتى اليوم تنتج الكوارث والمهازل)، ولا يحدث الحل بمجرد نطق المقولة، فثمة زمن طويل سيمر حتى نستطيع القول إن الحل السياسي أصبح ممكناً. بالمقابل، آفاق الحسم العسكري مسدودة في ظل معطيات المرحلة الماضية أو اللحظة الحالية، إن لمصلحة “النظام السوري” أو “المعارضة المسلحة”، وجميع الحلول، للأسف، بانتظار التفعيل من الجانب الأميركي بشكل رئيسي.
وكي لا يقف الأمر في حدود النقد والتشخيص، أعرض هنا بعض الأفكار التي أعتقد أنها مفيدة كمرتكزات مقترحة لحل مشكلة “المعارضة”، على الرغم من أن هذه المقترحات قدمت في دراسات تفصيلية مرات عديدة، بدءاً من آذار 2011 وحتى اللحظة:
1- العودة التدريجية إلى المكونات الأولية للمعارضة (أحزاب، حركات سياسية)، مع وضع معايير صارمة لفرز القوى الحقيقية من القوى الوهمية والخلبية. فالتشكيلات “الكبرى” تحولت إلى عقبة حقيقية أمام أي عمل سياسي حقيقي وناضج (ائتلاف إعلان دمشق، المجلس الوطني الكردي، هيئة التنسيق الوطنية، المجلس الوطني، الائتلاف الوطني) إضافة إلى التحالفات السياسية الهلامية الأخرى التي قامت خلال السنوات الأربع الماضية، والتحالفات التي يحاول البعض بناءها اليوم.
2- في كل تحالف سياسي كانت مسألة دعوة المستقلين للمشاركة مسألة مثيرة للإرباك سياسياً وتنظيمياً. فقد كان بند الشخصيات الوطنية والمستقلة بنداً فضفاضاً، واستخدم بلا أي معايير، واستغل في جميع التشكيلات في مجال اللعب السياسي وبناء كتل انتخابية فارغة، لذا لا بدّ من وضع معايير حقيقية وتحديد نسبة مشاركة مقبولة، وتنظيم العلاقة بين القوى السياسية والمستقلين بنصوص قانونية واضحة.
3- إلغاء مقولة “المعارضة الداخلية والخارجية”، فهي مقولة ساذجة وغير حقيقية، استخدمتها أطراف معارضة استخداماً انتهازياً بقصد درء هامشيتها من جهة ومناكفة قوى أخرى، وصبّ ذلك بالتأكيد خلال السنوات الماضية في طاحونة “النظام السوري”. لا يستقيم أي حديث عن وحدة المعارضة طالما أن هذه المقولة تتكرر على ألسنة البعض، بسذاجة أو انتهازية لا فرق.
4- إدارة حوار تدريجي ومبرمج ومستمر بين تلك القوى السياسية المتبلورة بعيداً من المحاور الإقليمية والدولية واستقطاباتها ورغباتها، بهدف بناء رؤية سياسية تنظيمية متكاملة:
أ- وثيقة رؤية سياسية مرحلية تتناول تصوراً دقيقاً حول المرحلة الانتقالية يتجاوز العموميات والشعارات التي بات يعرفها الطفل الرضيع في سورية.
ب- رؤية لسورية المستقبل وماهية الدولة السورية وميثاق وطني يمكن أن يكون أساساً لكتابة دستور سوري مستقبلاً.
ج- تحديد عناصر أساسية ملزمة لخطاب سياسي إعلامي واضح.
د- بناء مرتكزات واضحة ومحدّدة لسياسة خارجية عقلانية أساسها المصلحة الوطنية السورية.
هـ- تأليف هيئة قيادية حيوية، قليلة العدد، لمدة سنتين.
5- تأليف هيئة قانونية مؤهلة وخبيرة تحرص على رقابة القوى والشخصيات، ومستعدة لاتخاذ قرارات فصل بحق الأفراد والجهات السياسية التي لا تلتزم بما يتفق عليه.
6- يحتوي “الائتلاف الوطني السوري”، إلى جانب القوى السياسية، خليطاً فوضوياً من قوى “مدنية” و”ثورية” و”مجالس محلية” و”تشكيلات عسكرية”. هذه القوى ليس مكانها ائتلاف سياسي، إذ ستكون معيقة للأداء السياسي ومعاقة من القوى السياسية في الوقت ذاته، ومن السذاجة الاستمرار بوضعها مع القوى السياسية في إطار واحد.
7- ربما الشيء الوحيد الذي يمكن المحافظة عليه في “الائتلاف الوطني السوري” هو الاسم فحسب، فالاسم حصل على رصيد دولي ما في لحظة من اللحظات، وينبغي عدم تضييعه، وفيما عدا ذلك يحتاج إلى عملية هدم وبناء واسعة النطاق. بالطبع لا حاجة لما يسمى “الحكومة المؤقتة”، ومن المناسب تحويلها إلى هيئة مدنية إغاثية.
8- هناك جهتان سياسيتان ما زالتا تتصرفان، بطريقة أو أخرى، باستلهام روح “الحزب القائد”، وهما “الإخوان المسلمون” و”الاتحاد الاشتراكي” في التشكيلات المختلفة، بما يحوط ذلك من أوهام حول نفسيهما، وما يتسبب به من مشكلات وإرباكات. وعلى الإخوان المسلمين بالذات العودة إلى الوراء خطوات عدة. كذلك من المهم اقتناع من تزيد أعمارهم عن ستين عاماً في التشكيلات السياسية كافة بالتحول إلى هيئة استشارية مؤقتاً على الأقل، وهذا ليس أمراً هامشياً على الإطلاق، فمن يرفع راية التغيير الديمقراطي عليه أن يقدم مثلاً يحتذى في المؤسسة السياسية التي هو عضو فيها، وإلا فإن ذلك التشدق بالديمقراطية لا يعدو أن يكون لغواً ليس ذا قيمة.
9- بالنسبة لمشكلة التمثيل الذي يجري التنازع عليه بشكل دائم، يكفي مشاركة ممثل واحد عن كل قوة سياسية، ولا يحتاج الأمر لأكثر من ذلك، فنحن إزاء عمل سياسي توافقي ولسنا إزاء “عرس” أو “حفل” ما. ففي التحالفات السياسية، سواء أكان لحزب سياسي ما مئة ممثل أو ممثل واحد، فإن النتيجة واحدة طالما أن القرار يؤخذ في هذه التحالفات بآلية التوافق وليس التصويت.
10- التشكيل السياسي الناتج ينبغي أن يرمي صفة المعارضة عنه، والتصرف كبديل سياسي يثق بنفسه، ويوجه خطابه إلى جميع السوريين وليس إلى “المعارضين” فحسب من دون الادعاء بتمثيل الشعب السوري، فمسألة التمثيل مرتبطة بوجود حياة ديمقراطية تتيح تنافساً سلمياً تحسم نتائجه عبر الانتخابات. إن صفة “المعارضة” التي يكررها الجميع لا تصلح اليوم، هي ابنة الماضي قبل 2011، عندما كان هناك سلطة سورية استبدادية وقوى تقارعها سراً أو علناً، وهي ابنة المستقبل عندما تستقر الأمور للنظام الجديد الذي سيكون فيه بالضرورة سلطة ومعارضة في حالة صراع سلمي وتداول ديمقراطي للسلطة.
لا تكتمل المقترحات السابقة على صعيد “المعارضة والمكونات السياسية” من دون سعي قوى الثورة المدنية (أو ما بقي منها) لتنظيم نفسها بعيداً من أهل السياسة، ولهذا حديث آخر يطول. كذلك، يبقى في الحصيلة أن “المعارضة” والقوى السياسية” شيء والثورة شيء آخر. قد يوافق بعض أهل الثورة أو أغلبيتهم على رؤية وبرنامج وأداء “المعارضة” آنذاك، وقد لا يعيرونها اهتماماً فينشئون قواهم السياسية والمدنية المعبرة عنهم. وأخيراً نقول: لا أحد يقبض على الواقع بكليته، فثمة معطيات تغيب بالضرورة عن كلٍّ منا، وهذا شيء طبيعي، لكن الحكيم، الواثق بنفسه، هو من يستفيد من جميع الرؤى مهما كانت مؤلمة أو متجنية.
المصدر: موقع حزب الجمهورية