بدا وجهه مصفرا وشاحبا حين استوقفه أحد الحواجز من دون سبب يذكر
بقي واقفا هناك ساعتين وأطرافه بدأت بالارتعاش وراح يتساءل في نفسه
ماذا يريدون مني؟؟ هل سيعتقلونني؟
لا لا أظن فأنا لست على علاقة بأحد من الطرفين (مواسيا نفسه)، لكن ماذا لو فعلوها
فلست الأول الذي يتعرض للاعتقال بدون تهمة!!.
أو يمكن أن يكون قد اشتبهوا باسم يماثل اسمي شخص تورط بعمل ضدهم!!!
يا إلهي وزوجتي الحامل من سيعتني بولادتها وطفلي الصغير؟!
وأمي ماذا عن قلبها الذي لا يحتمل غيابي يوما ؟؟
من سيخبرهم عن مكاني، كيف سيجدونني؟؟
تساؤلات كثيرة متضاربة دارت في مخيلته و لم يعد يقوى على التركيز.
ثم تقدم إليه أحدهم قائلا له هيا سر أمامي.
لم أفعل شيئا إلى أين تأخذني؟!
صرخ بوجهه العسكري، هيا سر أمامي لا أريد أن أسمع منك أي سؤال، ستعرف كل شيء بعد قليل.
سكت والخوف والرعب يبدوان على وجهه، وقام العسكري بزجه داخل السيارة،
ووضعوا على وجهه عصبة كي لا يعرف إلى أي جهة اقتادوه، لقد حدث ما كان يخشاه، وشعر بأنه
يسافر لبلد آخر بلا رجعة مع أن الطريق إلى الفرع ليس بعيدا.
توقفت السيارة أخيرا و بدأت ضربات قلبه تتسرع، أدخلوه و رموه في غرفة مظلمة صغيرة” منفردة”، وبدأ
يسمع أصواتا لم يعرف مصدرها.
دخل إليه رجل طويل القامة عريض المنكبين غليظ الصوت وبدأ يضربه بوحشية دون توقف، و هو يصرخ
لم أفعل شيئا اتركوني، وكلما صرخ بصوت عال كانت وتيرة الضرب تزداد شدة حتى أغمي عليه.
استيقظ بعد قليل على “سطل” ماء بارد رشوه على وجهه، ليجد نفسه في مكان آخر ويسمع صوتا يقول هذا
هو فلان يا سيدي المحقق، عرف حينها أنه في غرفة التحقيق.
أنت فلان؟ نعم سيدي
أنت من كان يمول الإرهابيين، وينظم تظاهرات مناهضة ضد الحكومة السورية
لا والله لم………..!
لم يكمل جوابه حتى عاد الضرب ينهمر مجددا على رأسه المدمى، حينها فقط أيقن أنه لا مكان للكلمة عندهم.
فكر بسرعة ليتخلص من الضرب الذي كاد يودي بحياته التي لا قيمة لها أيضا ، وقال لهم نعم أنا من فعل ذلك يا سيدي.
و أخيرا انتهى التحقيق بكلمات نابية مخجلة، وأمر المحقق بأخذه إلى الزنزانة، وهذه المرة كان عدد السجناء يتجاوز حجم
اتساع الغرفة.
نظر إليهم نظرة سريعة، لم ير خلالها سوى وجوه مصفرة، وأجساد نحيلة يبدو عليها المرض والإرهاق.
بادله السجناء نظرته بشفقة عليه لأنهم سبق و تعرضوا معاناة تشبه معاناته و لا يدري ما الذي بعد ينتظره.
جلس أحدهم بجواره مواسيا ثم سأله، ما هي التهمة التي ألصقوها بك؟
رد عليه مستغربا وكيف عرفت ذلك؟ أجابه مبتسما ليس ذكاء مني فالجميع هنا بدون تهم.
في هذا السجن لا مكان للحقيقة ولا أحد منهم يؤمن بوجود الله، فإما أن تعذب وتعترف بشيء لم تفعله
وإما أن ترفض الاعتراف لتموت تحت التعذيب.
بقي صامتا مذهولا لساعات، وهو يسأل نفسه هل سأبقى على قيد الحياة؟ متى سأخرج من هنا وكيف
سيعلم أهلي بوجودي هنا، و هل وهل …………….؟
أسئلة كثيرة دارت في مخيلته التي يحاول من خلالها أن يجد جوابا عنها.
كان يعذب بشكل يومي بنفس وتيرة أول مرة ولكن بطرق جديدة لفترة سنة، ثم خف التعذيب قليلا
بعد أن طالت مدة مكوثه في السجن.
و بعد أربع سنوات فتح باب الزنزانة لينادى باسمه، اعتقد حينها أنهم سيأخذونه للتعذيب مجددا فقال
له السجان هيا لقد جاء قرار بإخلاء سبيلك.
لم يصدق الخبر وو قف لبرهة مذهولا وفرحا، لكنه أخفى ابتسامة كادت تظهر على وجهه حين تذكر
أنه سيترك خلفه أصدقاء الألم في تلك المكان الموحش.
كان أمام باب السجن، أمه وزوجته وطفليه الصغيرين بانتظاره، شعر بالخجل من زوجته حين سلم
عليها و كأنه لأول مرة يراها، و انحنى ليقبل طفليه لكنهم لم يعرفوه، ورجعوا للخلف، بدا شكله مخيفا
فطفله الذي تركه في أمه أصبح عمره أربع سنوات والآخر أصبح ست سنوات.
سألوا والدتهم من هذا الرجل، فأجابت ألم أقل لكم إنه أبوكم؟
شعر بحرقة في قلبه وانهالت دموعه ليدرك بعدها أن السجن سرق منه أغلى ما عنده، لكنه بقي على أمل
أن يربي أولاده ويعيش بينهم حرا، وفي داخله إصرار هذه المرة على أن يمارس حريته ضد الظلم والظلام
وهاهو حرا طليقا يرى الشمس التي حاولوا إطفاءها سنين.
المركز الصحفي السوري – سلوى عبد الرحمن