فجر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مفاجأة من العيار الثقيل في ساعة متأخرة من مساء الأحد، عندما أعلن عن استقالته على خلفية اتخاذه قرارا مثيرا للجدل بحظر التجول لمدة يومين في المحافظات التركية الكبرى، قبيل ساعتين من دخوله حيز التنفيذ، الأمر الذي ولّد حالة من الفوضى والازدحام، وتسبب في حملة واسعة من الانتقادات ضده ولطريقة إدارة أزمة كورونا في البلاد.
وعقب مرور ساعات قليلة من الفوضى والتكهنات والإرباك الشعبي والسياسي والإعلامي في عموم البلاد، حسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجدل، بعدما أعلنت دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية، أن أردوغان رفض الاستقالة وأن صويلو سوف يواصل مهامه وزيراً للداخلية، مشيداً بدوره في قيادة الوزارة وإدارة أزمة كورونا ومحاربة الإرهاب.
وقال صويلو في بيان: “تطبيق قرار حظر التجول الذي جاء خلال مرحلة حساسة ودقيقة وتحديدا لمنع انتشار الوباء (كورونا) أتحمل مسؤوليته بكافة أبعاده.. كان الواجب علي ألا أسمح بحدوث هكذا مشاهد في هذا الحدث الذي أتحمل مسؤوليته. أطلب الصفح من شعبنا العزيز الذي لم أفكر أبدا بإلحاق الأذى به، ومن السيد رئيس الجمهورية الذي سأبقى وفيا له حتى آخر عمري”.
بينما جاء في بيان الرئاسة التركية: “وزير الداخلية قدم طلب الاستقالة، والرئيس أردوغان أبلغه بأن قراره ليس في محله”، وأورد: “صويلو نال احترام الشعب التركي بفضل إنجازاته منذ توليه المنصب عقب الانقلاب الفاشل”، ولفت إلى “أهمية الكفاح الحازم الذي يبديه الوزير في الحد من الأعمال الإرهابية في البلاد إلى مستوى كبير”، وهو بيان اعتبر بمثابة دعم مطلق للوزير القوي الذي عاد إلى وزارته بقوة أكبر من السابق بكثير.
وعلى الرغم من رفض أردوغان لهذه الاستقالة واستمرار الوزير في ممارسة مهامه، إلا أنها فتحت الباب واسعاً أمام الحديث عن مكانة الوزير وقوته في الحياة السياسية التركية، لا سيما قوة الوزير داخل أروقة حزب العدالة والتنمية الحاكم وخلافه القديم مع صهر أردوغان بيرات البيرق، وتأثير مناورة الاستقالة على موازين القوى المستقبلية داخل الحزب.
** من هو صويلو؟
ولد صويلو عام 1969 في مدينة إسطنبول، وتخرج من كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، وسرعان ما بدأ نشاطه السياسي عام 1987 في الهيئات الشبابية، وبعد أن تولى مناصب مختلفة أصبح عام 2008 الرئيس العام للحزب الديمقراطي.
ومع صعود نجمه وظهوره كشخصية سياسية بارزة في البلاد، انتقل صويلو إلى حزب العدالة والتنمية بدعوة من أردوغان، قبل أن يصبح عضوا في البرلمان التركي عن الحزب عن ولاية طرابزون عام 2015 وفي الانتخابات الأخيرة انتخب عن الحزب أيضاً ولكن في ولاية إسطنبول.
وعقب توليه منصب وزير الأسرة والضمان الاجتماعي لفترة قصيرة، تولى منصب وزارة الداخلية عام 2016 في وقت كانت تشهد فيه البلاد أسوأ أوضاعها الأمنية مع تصاعد هجمات تنظيمات داعش و”بي كا كا” والتنظيمات اليسارية المتطرفة في المحافظات التركية.
وخلال أشهر قصيرة نجح صويلو من وقف الهجمات الإرهابية التي كان ينفذها تنظيم “الدولة”، وأنهى الكثير من التنظيمات اليسارية المتطرفة، إلى جانب توجيه ضربات تاريخية إلى القدرة القتالية لتنظيم “بي كا كا” داخل الأراضي التركية، وهو ما رفع من رصيده في الشارع التركي بشكل كبير، وبات يعتبر من أبرز وأنجح وزراء الداخلية الأتراك في محاربة التنظيمات الإرهابية، إلى جانب الحرب على تجارة المخدرات التي تعتبر المصدر الأول لتمويل تنظيم “بي كا كا”.
وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف عام 2016، أبدى صويلو قبضة حديدية في الحرب على تنظيم غولن، وأثبت ولاءً كبيراً لأردوغان في تحقيق مطلبه بالقضاء على التنظيم في بنية الوزارة والبلاد بشكل عام، وهو ما جعله محل ثقة وتقدير من قبل أردوغان.
وفي هذا الإطار، يعتبر سجل الوزير الناجح في محاربة الإرهاب، والحرب على تنظيم غولن من أبرز أوراق القوة التي يمتلكها ودفعت الرئيس لرفض استقالته، لا سيما وأن الفترة التي ترأس فيها صويلو وزارة الداخلية حملت الكثير من الأحداث المفصلية والأسرار والكواليس ما يجعل من إبعاده عن المشهد السياسي في الوقت الحالي مجازفة غير محسوبة العواقب.
** الخلاف مع صهر أردوغان
مع تزايد شعبيته وقوته داخل الدولة، تزايد نفوذ صويلو الذي يتمتع بكاريزما قيادية داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبات أحد أبرز ثلاثة أقطاب داخل الحزب تتنافس على النفوذ داخله، ووصل الأمر للحديث عن منافسته على رئاسة الحزب مستقبلاً في حال تخلى الرئيس أردوغان عن رئاسته.
وبات شائعاً في أروقة الحزب مصطلح “صويلوجولار” في إشارة إلى معسكر وزير الداخلية سليمان صويلو، و”بيراتشيلار” في إشارة إلى معسكر بيرات البيرق، حيث يقود الرجلان ولو بشكل غير معلن اصطفافاً كبيراً داخل أروقة الحزب.
وتؤكد تقارير مختلفة من داخل الحزب، أن صويلو على خلاف كبير مع البيرق صهر الرئيس التركي، وكشفت وسائل إعلام تركية عام 2018 عن أن صويلو قدم استقالته لأردوغان على خلفية خلافه مع البيرق، لكن الأخير رفض الاستقالة وحاول السيطرة على الخلافات بينهما.
وبينما يتمتع البيرق بإمبراطورية اقتصادية تعود لعائلته الثرية يدعمها إمبراطورية إعلامية تعتبر الأكبر في البلاد حالياً، إلى جانب نسبه مع الرئيس الذي يرفع من أسهمه داخل الحزب، كان يعول صويلو على مكانته الجماهيرية التي تصاعدت بشكل لافت بفعل نجاحه في قيادة وزارة الداخلية والحرب على التنظيمات الإرهابية.
وفي حين يتفاخر صويلو بنجاحه في قيادة وزارة الداخلية، وبخطاب قومي عزز شعبيته بشكل لافت، يواجه البيرق صعوبات بالغة في اقناع الشارع التركي بنجاحه في قيادة وزارة الخزانة والمالية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وما رافقها من انهيار كبير في قيمة العملة التركية، وارتفاع نسبة التضخم والبطالة والأسعار بشكل كبير.
** شعبية متزايدة
وبات واضحاً أن صويلو يتسلح بشعبيته المتصاعدة في الشارع التركي وأنه حقق ما أراد من خلال تقديم استقالته وعدم قبولها، حيث نشرت قرابة مليون تغريدة على موقع تويتر خلال ساعة واحدة فقط تطالب الرئيس بعدم قبول الاستقالة، وخرج أنصاره للتصفيق على الشرفات في مناطق واسعة من عموم البلاد عقب رفض الرئيس للاستقالة، في مشهد مغاير تماماً لوزير المواصلات والبنية التحتية التركي الذي أقاله أردوغان بصمت الشهر الماضي دون أي ضجيج رسمي أو شعبي.
هذه الشعبية المتزايدة لصويلو تدفع الرئيس التركي للخشية من أن تؤدي استقالته من الوزارة للتمهيد لاستقالته من حزب العدالة والتنمية الذي عانى في الأشهر الأخيرة من الانشقاقات بعد أن ابتعد عنه ثلاثة من أبرز القيادات السابقة، وإعلان رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو تشكيل حزب سياسي جديد، قبيل إعلان وزير الاقتصاد السابق على باباجان أيضاً تأسيس حزب سياسي معارض للحزب الحاكم، وبالتالي فإن آخر ما يحتاجه أردوغان هو حصول انشقاق جديد يدفع صويلو لتشكيل حزب سياسي ثالث من رحم العدالة والتنمية، لكن الثمن كان إعادة صويلو ليكون أقوى بكثير من السابق في الشارع والحزب والحكومة.
نقلا عن: القدس العربي