أكّد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري في حوار لقناة “الجزيرة” الإخبارية مساء أمس، أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أجّل خطابا كان مقرراً أن يوجهه للشعب، بناء على طلب من سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، في محاولة منه لاحتواء الأزمة، وإلى أن تكون هناك صورة أوضح لها.
وقال وزير الخارجية القطري إن دولة قطر لن تكون لديها إجراءات تصعيدية إزاء قرار قطع العلاقات الدبلوماسية الذي اتخذته ثلاث دول خليجية، لافتاً إلى أن دولة قطر ترى أن هذه الخلافات التي تكون بين دول مجلس التعاون، وبين الدول الشقيقة والصديقة يجب أن تحل على طاولة الحوار، وجلسة مكاشفة ومصارحة.
وبشأن أسباب الأزمة، قال وزير الخارجية: “أبدينا أسفنا واستغرابنا لتصرف من دول شقيقة، بالتعاون مع مصر، وهي إجراءات تصعيدية لم نر لها سابق. ولا نعرف إن كانت هناك أسباب حقيقية، أم هي قائمة على أمور نجهلها، ولو كانت هناك أسباب حقيقية لما أقيمت فبركات إعلامية، وتم تضخيم صورة منافية للواقع، وترويج أكاذيب ضد أمن واستقرار قطر، وشيطنتها بقصص وافتراءات مكذوبة. ولو كان هناك أسباب حقيقية لطرحت على طاولة مجلس التعاون. وكما ذكرت في بداية التصعيد الإعلامي الذي حدث، كنا في الاجتماع الوزاري ولم يذكر أي شيء خاصة بالتوتر في العلاقات الخليجية، ولما حضرنا القمة التشاورية والقمم الخليجية، ولم يذكر أي سبب للتوتر، أو مؤشر للتوتر”.
وأوضح أن “التصعيد بدأ مع بثّ الأخبار الكاذبة وجريمة القرصنة التي تعرضت لها الوكالة، وبث تصريحات مفبركة وافتراءات على لسان الأمير، وبني عليها تصعيد إعلامي غير مسبوق، بلغ مراحل لم نعهدها، خاصة لما يتم الإساءة من مختلف وسائل الإعلام بدول المجلس، والانزلاق إلى مستويات متدنية، والإساءة للأعراض. ونحن في دولة قطر لم ننزلق إلى هذا المستوى، بل تعاملنا مع الموضوع بحكمة وحلم”.
تأجيل خطاب الأمير لمنح فرصة لأمير الكويت لمحاولة احتواء الأزمة
وبشأن الخطاب الذي كان مرتقباً لأمير قطر، قال وزير الخارجية: “سمو الأمير كان مقررا أن يلقي خطابا للشعب القطري بشأن التطورات الأخيرة، لكن بعد إجراء اتصال هاتفي مع الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، وبناء على طلبه أجّل الأمير الخطاب، لإعطاء أمير الكويت مساحة للتحرك والتواصل مع أطراف الأزمة، ومحاولة منه كما عهدناه لاحتواء الأزمات، كما كان له دوراً كبيراً في أزمة 2014، وما زلنا ننظر إليه في دولة قطر، والأمير ينظر إليه كوالد له، وقد احترم رغبته في تأجيل أي خطوة أو خطاب يلقيه إلى الشعب إلى أن تكون هناك صورة أوضح للأزمة”.
وعن خيارات دولة قطر إزاء الإجراءات التي اتخذتها الدول الخليجية الثلاث، أكد وزير الخارجية أن “الإجراءات التي تم اتخاذها هي أحادية الجانب من هذه الدول، وغير مسبوقة، أثرت على مواطنينا وعلى العلاقات الأسرية التي تربط دول التعاون، وفي النهاية، دولة قطر لن تكون لديها إجراءات تصعيدية، لأن دولة قطر ترى أن هذه الخلافات التي تكون بين دول مجلس التعاون، وبين الدول الشقيقة والصديقة يجب أن تحل على طاولة الحوار، وجلسة مكاشفة ومصارحة، وطرح مواقع التلاقي والاختلاف، والعمل على تضييق مساحات الخلافات، مع احترام آراء بعضنا”.
وتطرق الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للاتصالات التي أجراها مع نظرائه من دول مختلفة، قائلاً: “استقبلت اتصالات وأجريت الكثير من الاتصالات مع وزراء خارجية دول شقيقة وصديقة، والكل أمانة أبدوا تضامنهم مع دولة قطر، وأملهم أن تكون هناك جهود لاحتواء الأزمة في أسرع وقت، وكثيرون عرضوا جهودهم، وخيارنا الاستراتيجي هو حول أي أزمة من خلال الحوار”.
وبشأن الرّجة التي حدثت داخل مجلس التعاون، قال: “للأسف، نحن في ظروف وتحديات صعية جدا، وهناك حروب متعددة في الوطن لاعربي، وأوراح تزهق يوميا جراء جرائم إرهاب وتطرف، أو وجرائم إرهاب أنظمة اتجاه شعوبها. هناك وأزمة سوريا واليمن وليبيا، وكل هذه التحديات يجب أن توحدنا، ونستغرب أنه في هذا الوقت المهم في تاريخ الوطن العربي، أن توجّه السّهام من دول داخل مجلس التعاون إلى دولة من المجلس″.
وأضاف: “وكيف نرى نحن لمستقبل المجلس، فهناك علامات استفهام كثيرة حول مستقبل المجلس، ويجب أن تقوم العلاقات فيه على التعاون والتضامن، لأن الكل يعرف أن العلاقات بين شعوب دول مجلس التعاون هي شعوب واحدة، تجمعها ثقافة، وتجمعهم علاقات أسرية، وهم نسيج واحد، وامتداد. لكن أن استخدام المجلس لفرض وصاية، أو فرض سياسة، تبدأ بفرض سياسات خارجية على دول، ومن تم فرض وصاية على دولة من دول المجلس، أو التفكير في فرض وصاية على دولة قطر، ومن التدخل في الشؤون الداخلية، كما تجلى في بيانات دول المجلس التي أطلقتها للإعلان عن إجراءاتها، بتدخل سافر في الشؤون الداخلية لدولة قطر، ومخاطبة الشعب بشكل مباشر، وهذا الأمر مرفوض رفضا باتا. وإذا كانت الخيارات المطروحة اليوم أمامنا حول تماسك المجلس لفرض وصابة على دولة أو أخرى، فنعتقد أن هناك علامة استفهام كبرى حول مستقبل مجلس دول التعاون.
ونفى الوزير أي تأثير للأزمة على الحياة اليومية في قطر، قائلاً: “هناك عدة أزمات تداولت على دولة قطر؛ أولا أزمة الانقلاب الفاشل عام 1976 وكانت هناك نية لاتخاذ إجراءات تصعيدية مماثلة، ثم سحب السفراء العام 2014 والحديث عن مثل هذه الإجراءات التصعيدية. والأمير وجّهنا خلال هذه الأزمات إلى أن يكون هناك برنامج استراتيجي لدولة قطر، بحيث لا تتأثر بأي إجراءات قد تتخذها دولة من دول المنطقة، وأن تعتمد قطر على نفسها لتوفير الموارد الرئيسية، وأن تكون هناك استمرارية للحياة الطبيعية”.
وتابع يقول “هناك برنامجا تم التوجيه بشأنه، وتم استعراضه في اجتماع مجلس الوزراء، وفق المخططات، لافتا إلى أن الحياة اليومية لن تتأثر، ولن تتأثر مشاريع الدولة، ولا المشاريع المستقبلية، لأن دولة قطر أعدت برامجها وعملت الخطوات التي تسمح بتحقيق رؤية قطر بشكل مستقل بعيدا عن أي ضغوط سياسية”.
وأشار إلى أن “هناك تصريحات غير دقيقة عن إغلاق أو الحصار البحري أو الجوي، والإجراء الوحيد الذي يمكن أن يكون لديه تأثير على الحركة، هو إغلاق الحدود البرية، أما المسارات البحرية، فهي مياه دولية، وهناك أجواء جوية يمكننا أن نطير من خلالها، وتوفير كافة المستلزمات للحياة اليومية”.
وتطرّق وزير الخارجية القطري إلى حملة التشويه التي تعرضت لها بلاده، بتواطؤ من سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، قائلاً: “دولة قطر شنّت عليها حملة تشويه كبيرة، وما نستغربه ونأسف له أن يكون هناك سفراء من دول مجلس التعاون يقودون حملة التشويه لسمعة دولة قطر، وهذا مخالف لميثاق مجلس التعاون والعقد الاجتماعي لدول التعاون. ونحن في قطر مهما كانت خلافاتنا داخل دول مجلس التعاون، فإننا نناقش خلافاتنا في طاولة المجلس، ولا نصدر الخلافات للعواصم الغربية، ودوما سفراؤنا يكونون سفراء لدول مجلس التعاون”.
وأضاف: “في الأيام الأخيرة، كانت هناك حملة تحريض لسفراء من دول مجلس التعاون لشيطنة دولة قطر واتهامها في قضايا دعم الإرهاب، بالتعامل مع مؤسسات مدفوعة الأجر، ولكن مثل هذه الحملات لن تؤثر إلاّ على مؤسسات هامشية، أمّا بالنسبة للمؤسسات المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية، فعلاقاتنا معها علاقات ممتازة جدا، وهي شراكة استراتيجية في مكافحة الإرهاب وعملية السلام في الشرق الأوسط. صحيح قد لا نتفق معهم في كل شيء، وقد نختلف في أمور معينة، لكن هناك احترام لوجهات نظر الطرف الأخر، والتعاون أقوى بكثير من نقاط الاختلاف”.
وختم قائلاً: “أردت أن أنوّه إلى أن العلاقات القطرية الأمريكية لا تقاد من قبل المؤسسات الهامشية المتطرفة، مدفوعة الأجر، بل تقاد من المؤسسات الرسمية التي تقوم مواقفها على أسس وعمل مشترك، وشراكة استراتيجية تطلبت عقوداً من الزمن”.