طالبت سعيدة وارسي، أول وزيرة مسلمة في بريطانيا، الرئيسة السابقة لحزب المحافظين، بأن يتم التعامل مع المتطوعين البريطانيين الذين يخدمون في صفوف الجيش الإسرائيلي على أنهم مقاتلون أجانب، وبأن يحاكموا بمجرد عودتهم إلى المملكة المتحدة.
وقال موقع “ميدل إيست” الذي أجرى مقابلة مع وارسي، التي تحمل الآن لقب بارونة في مجلس اللوردات، إنها تسعى إلى سد ثغرة تقول إنها صممت لحماية إسرائيل، وتسمح بالتمييز بين البريطانيين الذين يحاربون في صفوف جيوش دول مثل إسرائيل وباكستان، وبين البريطانيين الذين يقاتلون ضمن صفوف جماعات خارج إطار الدولة، مثل المنظمات الكردية والمنظمات المتطرفة.
وقالت وارسي، التي استقالت من منصبها الوزاري بسبب إخفاق الحكومة البريطانية في إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة: “أحد الأسئلة التي وجهتها إلى وزارة الخارجية كان حول ما إذا كان لدينا تمييز بين من ينخرطون في خدمة دولة، وبين من ينخرطون في خدمة جهات خارج إطار الدولة”.
وأضافت: “إذا ذهبت إلى هناك، وقاتلت في صفوف أي مجموعة، فستكون عرضة للمحاكمة بمجرد عودتك، ولكن إذا ذهبت لتقاتل من أجل الأسد، فأنا أفترض أن ذلك أمر لا بأس به حسب قانوننا. ولا يمكن أن يكون ذلك صوابا”.
وقالت: “السبب الوحيد الذي يدفعنا إلى الإبقاء على هذه الثغرة هو قوات الدفاع الإسرائيلية؛ لأننا لا نملك ما يكفي من الشجاعة لنقول إنك إذا كنت تحمل الجنسية البريطانية، فأنت بذلك تحدد خياراتك، وينبغي بناء عليه ألا تقاتل إلا من أجل دولتنا. وهذا ما يجب أن يصرح به بوضوح وصرامة”.
وأشارت وارسي، التي كانت أول وزيرة مسلمة في الحكومة البريطانية، إلى أنه في الوقت الذي تركز الجدل داخل البلاد بشكل استثنائي على مطالبة المسلمين البريطانيين بإثبات ولائهم للدولة، كان ينبغي أن تطبق القاعدة ذاتها على الجميع.
وقالت: “إن عليك أن تنتمي إلى شيء ما، وانتماء المسلمين إلى بريطانيا بات أمرا نتحدث عنه كثيرا. ولكننا لا نتكلم عن ذلك حين يتعلق الأمر بالجاليات الأخرى. نعترف بأن جالياتنا تحمل هويات متعددة، فدعونا نسد هذه الثغرة، وليكن واضحا أنك إذا كنت لا تقاتل من أجل بريطانيا فلا يجوز أن تقاتل”.
وبحسب الموقع، فإن العشرات من المواطنين البريطانيين يخدمون حاليا كمتطوعين ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي، وذلك من خلال برنامج للجيش يسمى “ماهال”.
وفي تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال ناطق باسم برنامج “ماهال” إن الرقم الحقيقي يعدّ سرا من أسرار الدولة، وأحالنا إلى وزارة الدفاع لنستفسر منها عن ذلك.
“جرائم الحرب” في غزة
وفي حديثها للموقع، قالت وارسي إن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في هجومها على غزة في عام 2014، وكانت حينها وزيرة في حكومة دافيد كاميرون الائتلافية. قتل أثناء الحرب التي عرفت بعملية الجرف الواقي ما يزيد على 2200 من سكان قطاع غزة، وأصيب ما يقرب من عشرة آلاف بجراح.
وأضافت: “أعتقد بشكل قاطع أن سياستنا تجاه إسرائيل سياسة خاطئة. إذا عدت إلى التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية آنذاك، وليام هيغ، وكان ذلك وقت التصويت في البرلمان على الاعتراف بدولة فلسطين، قالت الحكومة حينها إن الوقت لم يحن، وإنه ربما يحين بعد ستة شهور.
“والآن مضى على ذلك أربعة أو خمسة أعوام. فما الذي تغير؟ ما تزال المستوطنات تُبنى، ولا يوجد اعتراف رسمي بدولة فلسطين، ولم تتقدم عملية السلام قيد أنملة. الوقائع على الأرض هي التي تتغير”.
وقالت إن تيريزا ماي أثبتت أنها “تنقصها الشجاعة الأدبية والخاصية القيادية”؛ لإخفاقها في حضور مؤتمر باريس للسلام، الذي انعقد في شهر كانون الثاني/ يناير، وتدخلها لمنع الاتحاد الأوروبي من تبني البيان الختامي للمؤتمر.
وتابعت وارسي: “عندما يكون لديك زملاء يقفون في البرلمان، وينكرون حق فلسطين في الوجود، مثلما فعل روب هالفون (النائب المحافظ عن هارلو)، عندما قال إن الفلسطينيين بإمكانهم العيش في الأردن، هذا يعني إنكار حق الفلسطينيين في الوجود. بل لقد باتت كافة أشكال المعارضة المشروعة لسياسات الحكومة الحالية في إسرائيل ينظر إليها على أنها غير مشروعة”.
وفي معرض حديثها عن نشر كتابها “العدو من الداخل”، تطرقت وارسي للمرة الأولى إلي الأسباب التي دفعتها إلى الاستقالة من منصبها الوزاري، وقالت إنها عانت من علاقتها بكاميرون، وإنها ما كانت لتترك عملها لو أن ويليام هيغ ظل في موقعه وزيرا للخارجية. وبينت أن عدم اهتمام فيليب هاموندز، وزير الخارجية الذي خلفه، بحقوق الإنسان جعل أمر استقالتها أسهل بكثير.
وقالت وارسي: “لقد كنت وزيرة لشؤون حقوق الإنسان، ووزيرة لشؤون الأمم المتحدة، ووزيرة لشؤون المحكمة الجنائية الدولية. وكنا نتناقش في كيف ينبغي علينا أن نصوت داخل مجلس حقوق الإنسان، وماذا ينبغي أن يكون عليه موقفنا من انتهاكات هذه الحقوق.
وتابعت: “وكنت أُرسل إلى مجلس اللوردات بشكل يومي أيضا. وكان الناس يوجهون الأسئلة حول غزة بشكل يومي، خاصة إثر تفاقم الأوضاع، وكان علي أن أكرر التصريح بموقف الحكومة، إلى أن وصلت إلى النقطة التي قلت عندها كفى”.
وأضافت: “كان ذلك بالنسبة لي قرارا شخصيا جدا. من المفروض أن يكون الإنسان قادرا على التغيير من خلال وجوده في منصب رفيع… وما كان يهمني فعلا هو أن أكون في وضع يؤهلني لإحداث تغيير، ولكن عندما تكون في وضع لم يعد بإمكانك فعل شيء، فلربما يصبح استمرارك في ذلك الموقع مصدرا للضرر. كثيرون قالوا لي: اختلفي معهم ولكن ابقي في موقعك، لكني أرى ذلك نوعا من النفاق”.
كاميرون.. من ليبرالي إلى محافظ جديد
وكشفت وارسي في كتابها كيف حاول عضو في حزب المحافظين التجسس عليها من خلال مستشارها الخاص، إلا أن وارسي رفضت الكشف عن اسم ذلك الشخص، وقالت: “لا أريد البوح بأي أسماء. لم يكن موظفا في الدولة، وفي واقع الأمر لم يكن قد حصل على تصريح أمني. لم يكن من الحكومة، وإنما فرد عادي بصفته الشخصية.” وقالت إنها لم تكن لديها أدنى فكرة حول من أرسله، لكنها كانت متأكدة أن ذلك لم يكن كاميرون. وأضافت: “لقد طلبوا منه أن يراقبني، ويلاحظ مع من ألتقي ومع من لا ألتقي”.
وقالت وارسي إن كاميرون تحول من إنسان ليبرالي فيما يتعلق بالموقف من المسلمين البريطانيين إلى محافظ جديد، ووجهت اللوم على ذلك إلى مايكل غوف، الذي كان حينها وزيرا للتعليم.
كان دوغلاس ماري، الكاتب في مجلة ذي سبيكتاتور، هو الذي أطلق على وارسي وصف “العدو الجالس حول المائدة”، إلا أن الانقسام داخل مجلس الوزراء كان واضحا للعيان.
وقالت وارسي: “كان معروفا لدى الجميع أن ثمة خلافا بين وجهة نظري، ومفادها أن التحول نحو التطرف لا يقتصر على الأيديولوجيا، وأنه توجد طرق كثيرة تؤدي إلى التطرف، وبين وجهة النظر المعارضة التي ترى أن الأمر يتعلق بالأيديولوجيا. كان ثمة اختلاف في الرأي بين ما كانت تتوجه نحوه سياسة الحكومة، وبين توجه أناس مثلي ومثل كين كلارك ودومينيك غريف ونيك كليغ. ومن بين هؤلاء كنت المسلمة الوحيدة”.
ولدى تعليقها على ماري، قالت: “وصفني دوغلاس ماري بأنني العدو من الداخل. فهو يعتقد بوجود إرهابي خلف كل كرسي، ويرى أن كل مسلم يشكل جزءا من مشكلة ما”.
وبينما قالت وارسي إنها كانت تثق بأجهزة المخابرات، لما تعتمده من مقاربة “تقوم على الدليل”، إلا أن الهوة ظلت تتسع بينها وبين زملائها في مجلس الوزراء.
وهي اليوم تتهم حكومة تيريزا ماي بإقصاء المسلمين البريطانيين، وبعدم القدرة على معاملة ممثليهم بالطريقة ذاتها التي يعامل بها زعماء الطوائف الدينية الأخرى في بريطانيا.
وقالت وارسي: “إحدى الطرق هي كيفية الإعداد للاحتفالات والمهرجانات، وذلك أن قائمة المدعوين المسلمين ترسل إلى مختلف أنواع البشر؛ ليدققوها ويتأكدوا منها مرارا وتكرارا، ولا تعامل أي طائفة دينية أخرى بهذا الشكل. هذا واقع قائم، ولا بد أن يوثق، وأن يعرف الناس بوجوده”.
وتعبّر وارسي عن خشيتها من المستقبل، وتقول: “لقد نشأت في عالم عنصري، ولقد عملت ما علي، وقمت بواجبي. جداي الاثنان خدما في الجيش الهندي البريطاني، ووالداي انحنى ظهر كل واحد منهما وهما يعملان في ديوزبري. وأنا خدمت بلدي في أعلى المستويات. كم من الأجيال ينبغي أن يثبتوا ولاءهم حتى تتوقفوا عن مخاطبتنا قائلين: أثبتوا لنا ولاءكم”.
وتختم وارسي قائلة: “أنا على وشك أن أصبح جدة، ولكن هل ستكون بريطانيا وطنا لأحفادي؟ ستكون مأساة لو أن أحفادي قرروا ترك بريطانيا”.
المصدر – عربي 21