أعلنت وزارة الداخلية السورية يوم الجمعة 7 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري عن إطلاق استمارة إلكترونية خاصة بالتواصل مع الضباط المنشقين المقيمين خارج البلاد، في خطوة تهدف إلى تنظيم قاعدة بيانات رسمية تمهيدًا لمعالجة أوضاعهم الإدارية والقانونية، وفتح قنوات تواصل مباشرة معهم
وذكرت الوزارة عبر معرفاتها الرسمية أن وزير الداخلية، أنس خطاب، أعلن عن فتح باب التسجيل للضباط المنشقين الراغبين في العودة، في إطار خطة حكومية شاملة تستهدف إعادة دمج الكفاءات العسكرية السابقة ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية، بما يعزز عملية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس مهنية ووطنية
وتأتي هذه الخطوة بعد أسبوع من إعلان الوزير خطاب انتهاء أعمال لجنة مقابلة الضباط المنشقين في الداخل، والتي أجرت مقابلات مع أكثر من 260 ضابطًا حقوقيًا عادوا إلى صفوف الدولة، في مؤشر على تحول استراتيجي في مقاربة الحكومة لملف الانشقاقات العسكرية
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل منعطفًا سياسيًا مهمًا يعكس نضج الرؤية الحكومية لمرحلة ما بعد الحرب، إذ لم تعد الدولة تتعامل مع ملف المنشقين بمنطق المعالجة الإدارية فقط، بل تنطلق من فلسفة سياسية جديدة تقوم على الاحتواء بدلًا من الإقصاء والمصالحة بدلًا من المعاقبة، في إطار ما يُعرف بالعدالة التصالحية التي تمهد لبناء مجتمع متماسك ومؤسسات دولة حديثة
وفي هذا السياق، أوضح الباحث في الشؤون السياسية في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، في حديث لصحيفة الثورة، أن المبادرة تحمل رسالة وطنية جامعة، مفادها أن سوريا الجديدة تقوم على كفاءات جميع أبنائها دون استثناء، لا على أساس الانتماءات الفصائلية أو السياسية السابقة، وأشار إلى أن هذه الخطوة تمثل حجر الزاوية في مشروع بناء الثقة المؤسسية والمجتمعية
ولا تقتصر الخطوات الحكومية على وزارة الداخلية، إذ سبقتها وزارة الخارجية بإعادة 21 دبلوماسيًا منشقًا إلى الخدمة في 3 تشرين الثاني الجاري، كما أعلنت وزارة الدفاع عن تشكيل لجان مختصة لاستقبال طلبات الضباط المنشقين وتنظيم بياناتهم حسب الرتب والاختصاصات وتشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 2000 ضابط منشق عادوا إلى صفوف الجيش، من أصل 3500 جرت مقابلتهم، فيما يقدر عدد الضباط المنشقين منذ بداية الأزمة بنحو 4000 ضابط
ويعتبر مراقبون أن دمج هؤلاء الضباط ذوي الخبرة المؤسسية السابقة يمثل خطوة محورية في إعادة بناء العقيدة الوطنية لمؤسستي الداخلية والدفاع، بحيث تصبحان أكثر احترافية وولاءً للدستور والشعب، وليس للأفراد أو القوى السياسية، فوفق رؤية علوان، إعادة استيعاب الضباط القدامى ودمجهم مع الكوادر الجديدة يخلق توازنًا مؤسسيًا ويعزز الانضباط والكفاءة داخل أجهزة الدولة
وتحمل هذه المبادرة كذلك رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن الحكومة السورية ماضية في مسار الانتقال السياسي المتزن، وتسعى لتكريس الاستقرار وبناء دولة قادرة على استيعاب جميع أبنائها، ويرى علوان أن ذلك يعزز ثقة المجتمع الدولي بجدية الحكومة، ويفتح الباب أمام الدعم الاقتصادي والسياسي لإعادة الإعمار
ورغم وضوح الرؤية الاستراتيجية لهذه الخطوة، إلا أن التحديات العملية ما تزال قائمة، مثل العقبات البيروقراطية والقانونية واللوجستية التي قد تواجه عملية التنظيم، غير أن الباحث علوان يؤكد أن الحكومة قادرة على تجاوز هذه العقبات عبر حلول قانونية وإدارية مرنة
ويُذكر أن موقع “غلوبال فاير باور” كان قد صنّف الجيش السوري في المرتبة السادسة عربيًا والـ47 عالميًا في تقرير عام 2022، مستندًا إلى نحو 50 مؤشرًا عسكريًا ولوجستياً. ويرى محللون أن إعادة دمج الضباط المنشقين تمثل خطوة نوعية في تحديث البنية العسكرية واستعادة مكانة الجيش السوري على المستويين الإقليمي والدولي
وبذلك، يمكن النظر إلى هذه المبادرة كجزء من رؤية وطنية جديدة تتجاوز مجرد تسوية أوضاع الأفراد، لتؤسس لمرحلة تعيد فيها الدولة تعريف علاقتها بالمواطن على أساس الثقة المتبادلة والكفاءة والولاء للوطن، في إطار عملية بناء شاملة لدولة ما بعد الحرب









