أظهرت دراسة نشرها المرصد العمالي للدراسات والبحوث السوري عن مدى تأثر الاقتصاد المحلي من تجميد ودائع السوريين في لبنان.
وبدأت الآثار النقدية والمالية للأزمة اللبنانية بالظهور بشكل سريع مؤخرا على الاقتصاد السوري خاصة مع القيود المشددة التي وضعها مصرف لبنان المركزي، إلى جانب العقوبات الغربية على دمشق.
ولكن الأرقام تشير إلى أكثر مما كان متوقعا، إذ أن إيداعات السوريين الأفراد في المصارف اللبنانية تبلغ حوالي 45 مليار دولار، إلى جانب نحو خمسة مليارات دولار ودائع لشركات ومصارف سورية.
وكان تقديرات سابقة تشير إلى حجم الودائع السورية في لبنان لا يتجاوز الثلاثين مليار دولار. بينما لا توجد معطيات دقيقة من المؤسسات المالية الدولية حول ذلك.
ويعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشّي البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية الذي يشكّل دليلا ملموسا على الاقتصاد المنهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي.
وأشارت الدارسة التي جاءت بعنوان “لبنان أمام أزمة مالية مرتقبة وآثار سيئة على الاقتصاد السوري” أن ودائع السوريين تزيد على 28 بالمئة من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية والبالغة نحو 177 مليار دولار”.
وأكد علي كنعان معدّ هذه الدراسة أن إيداعات السوريين مع احتساب إيداعات بعض المصارف وشركات التأمين الخاصة تحت بند حساب المراسلين وغيره فإن إجمالي رقم الإيداعات يتخطى 50 مليار دولار في لبنان.
ونقلت صحيفة الوطن المحلية عن كنعان قوله إن “الحكومة السورية يمكن أن تطلب من لبنان السماح بتمويل المستوردات السورية عبر حسابات المستوردين السوريين في المصارف اللبنانية بالدولار”.
28 في المئة حجم أموال السوريين من إجمالي الودائع في مصارف لبنان والبالغة 177 مليار دولار
واقترح الخبير تشكيل لجان مشتركة لحل المشكلة سريعا وإجراء التنسيق لمعالجة الآثار السلبية للأزمة على البلدين رغم وجود عقوبات على سوريا لمساعدة بعضهما بعضا في وقت الأزمة.
ومن المقترحات الخاصة بلبنان، إصلاح النظام الضريبي واعتبار الالتزام الضريبي وتسديد الضرائب وفق المعايير الدولية المعمول بها، فضلا عن مكافحة التهرب الضريبي لرفع مستوى الالتزام المالي تجاه الدول.
وقال كنعان “على لبنان استبدال الدين القديم بدين جديد أقل فائدة لتخفيف حجم خدمة الدين التي وصلت إلى 52 بالمئة من حجم الإيرادات العامة”.
وانعكست الإجراءات النقدية التي اتخذها المركزي اللبناني في خضم الأزمة السياسية للبلاد لتخفيض حجم المضاربة وتهدئة السوق اللبنانية، بشكل مباشر على الاقتصاد السوري.
ومن أبرز تلك الإجراءات دفع الحوالات الواردة من الخارج للسوريين إلى لبنان بالليرة اللبنانية بدلا من دفعها بالدولار، وهذا ما حرم الاقتصاد السوري قرابة 4 ملايين دولار يوميا تأتي من لبنان إلى سوريا لتمويل وإعالة الأسر السورية.
ورفع المركزي اللبناني سعر الفائدة على الودائع بالعملات الصعبة من 6 بالمئة إلى 9.89 بالمئة أساس، وتصل إلى 14 بالمئة للمبالغ الكبيرة.
كما رفع سعر الفائدة على الليرة اللبنانية إلى 13.49 بالمئة وتصل إلى 18 بالمئة للمبالغ الكبيرة، الأمر الذي دفع بالمودعين السوريين للتوجه ثانية إلى الإيداع في المصارف اللبنانية وجذب السيولة من سوريا إلى لبنان.
وإلى جانب ذلك، خفّض المركزي اللبناني حجم السحب من مصارف لبناني للمودعين السوريين واللبنانيين، الأمر الذي خفض حجم الدولارات في السوق اللبنانية والسورية معا.
وألقت الاضطرابات اللبنانية وما تبعها من قيود اقتصادية بظلال قاتمة على جارتها بعد جفاف منبع الدولارات الأساسي للسوريين، الأمر الذي هوى بالليرة إلى مستويات قياسية.
ويعتمد الاقتصاد السوري، الذي تحجبه عقوبات غربية عن النظام المالي العالمي، على الروابط المصرفية مع لبنان للإبقاء على أنشطة الأعمال والتجارة منذ تفجرت الحرب قبل أكثر من 8 أعوام.
لكن في الوقت الذي تفرض البنوك اللبنانية قيودا مشددة على سحوبات العملة الصعبة والتحويلات النقدية إلى الخارج، يتعذر وصول أثرياء سوريين إلى أموالهم.
وقال رجال أعمال في دمشق وفي الخارج لوكالة رويترز في وقت سابق، إن تدفق الدولارات إلى سوريا من لبنان شبه متوقف.
وهوت الليرة السورية بنسبة 30 بالمئة في الأسابيع التي تلت تفاقم أزمة لبنان في 17 أكتوبر بعد موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وبلغت الليرة أدنى مستوياتها على الإطلاق عند حوالي ألف ليرة للدولار في السوق السوداء، مقارنة مع 47 ليرة للدولار قبل بدء الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد في 2011 والتي تطورت إلى حرب شاملة ضد متمردين ومتشددين.
وقال رجال أعمال ومصرفيون إن من المعتقد أن لدى سوريين أثرياء ودائع بمليارات الدولارات في البنوك اللبنانية.
والفوائد التي تدفع على ودائع السوريين في لبنان وتحول إلى داخل البلاد هي مصدر مهم للدولارات للاقتصاد.
ومع عدم قدرتهم على تحويل الدولارات مباشرة إلى سوريا، يلجأ السوريون خارج منطقة الشرق الأوسط إلى النظام المالي اللبناني كقناة لإرسال أموال إلى أقاربهم تقدر بمئات الملايين كل عام. وتضرر أيضا هذا التدفق.
ويشعر العمال السوريون في لبنان أيضا بآثار انكماش حاد لاقتصاد يخسر الوظائف بخطى سريعة.
ويقول محللون إن التحديات التي سببها هبوط سعر صرف الليرة تتطلب إجراءات عاجلة ومرنة تواجه هذه الموجة، منها ما يتعلق بسوق الصرف نفسه، ومنها ما يتعلق بالأداء الاقتصادي العام.
وأشاروا إلى أن سوق الصرف له تدابير النقدية والمالية المؤثرة والأداء الاقتصادي يتطلب مواكبة بعيدا عن البيروقراطية التي تمنع السرعة والإنجاز.
وتخضع سوريا لعقوبات اقتصادية أميركية وأوروبية تسبّبت بمزيد من الخسائر وبأزمة وقود العام الحالي فرضت تقنينا في الكميات الموزعة على المستهلكين.
ويرى العديد من المحللين أن النهوض الاقتصادي في سوريا يحتاج إلى دعم تصدير الإنتاج المحلي بالدرجة الأولى، وعدم التباطؤ في موضوع دعم الصادرات بالسرعة القصوى.
وبعدما باتت القوات الحكومية تسيطر على أكثر من 60 بالمئة من مساحة سوريا وتنتشر في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد، يكرر مسؤولون عدة بينهم الأسد التأكيد على أن بلادهم تواجه حربا جديدة تتمثل بالحصار الاقتصادي.
نقلا عن صحيفة العرب