على موازاة تقدمها العسكري الملحوظ خلال الأيام السابقة، تنشط حركة طالبان ببث رسائل طمأنة للداخل الأفغاني والخارج، من دول الطوق الإقليمي، بما يوحي بأن الأمور قد حسمت لصالح الحركة، وستدخل كابل قريباً، بعد عشرين عاما من التدخل العسكري الأمريكي ..
لا يخفى على أحد أن هذا النصر العسكري قد سبقه نصر دبلوماسي تمثل بتوافق دولي على الاعتراف بطالبان كحاكم أو شريك شرعي في الحكم، بعد جولات المفاوضات المكوكية بقطر وتركيا وروسيا وإيران.. تسارع سحب القوات الأمريكية واتساع رقعة السيطرة الأفغانية والتي وصلت الى 85% من أفغانستان، أي كامل البلاد عدا العاصمة كابل، أثار مخاوف البعض من السياسة الخارجية الجديدة التي ستتبعها الحركة، فكان لا بد من تهدئة هذه المخاوف بوفود أرسلتها الحركة إلى روسيا، لتقديم المعلومات والإجابة عن تساؤلات الروس، وطمأنتهم على حليفيهم طاجكستان وتوركمانستان الدولتان اللتان تشتركان بالحدود مع أفغانستان.
كما كانت هناك وفود في إيران لطمأنتها أيضاً.وبخاصة بعد استيلاء الحركة على معبر إسلام قلعة ..
رسائل الطمأنة للخارج رافقتها رسائل مماثلة للداخل، عبر إعلان الحركة عدم دخول عواصم الولايات بالقوة أو اعتقال المترجمين الذين عملوا مع القوات الأمريكية، أو التعرض للبعثات الأجنبية في كابول أو السماح لتنظيم الدولة بالعمل على أراضيها.
يمكن أن نقرأ صدى الانتصار الأفغاني أيضا في خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس الماضي، الذي حدد نهاية المهمة العسكرية للقوات الأمريكية في أفغانستان يوم 31 آب المقبل، مشيراً إلى أنه لن يرسل جيلاً آخر من الأمريكيين إلى الحرب في أفغانستان ..
يذكرنا هذا الفرار من المستنقع الأفغاني قبل الغوص فيه بلا عودة ولا هدف بتجربة الاتحاد السوفيتي سابقاً، في حربه بأفغانستان على مدى عشر سنوات، انتهت بانسحاب مذل عام 1989وسيطرة (المجاهدين) على البلاد..
بايدن لمح إلى خطورة المأزق الأمريكي، حين أشار إلى أن حركة طالبان اليوم وصلت إلى أقوى مستوىً لها منذ 2001، مبرراً الانسحاب بتوجيه إمكانيات الصراع كلها الى الصين العدو المحتمل.
أفغانستان أرض البشتون والطاجيك والهازار والأوزبك والتركمان، كانت دائما مقبرة للغزاة المغامرين الذين يعتبرون احتلالها نزهة لن تستغرق أياماً، لكن بعد اصطدامهم بجبالها وصحرائها الوعرة، وإصرار شعبها على الحرية، يفضلون الانسحاب مبررين الهروب بأن المهمة أنجزت..
فهل أنجزت المهمة حقاً أم بندقية المقاتل الأفغاني الذي رفض رمي سلاحه هي من صنع النصر؟
محمد مهنا
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع