البراميل والصواريخ مدمية عندما تسقط على البشر، مؤلمة عندما تسقط على الحجر والشجر، ولا يمكن وصف ما تخلفه من رعب وخوف في قلوب الناس من حولها ببضع كلمات.
لقد كان يوماً حزيناً بائساً ليس كباقي أيام التسع سنوات الماضية المتخمة بالحزن والبؤس والموت والدمار والخراب.. نعم، لقد توقفت البراميل عن السقوط على كفرزيتا واللطامنة وخان شيخون والهبيط و ….و لم يعد الدخان يتصاعد كما كان يردد الناشط الثوري محمود الحموي من خلال نقله المباشر لتساقط تلك البراميل والصواريخ والقذائف على بلدات وقرى ريف حماة الشمالي.
لا شك أن أكبر الأمنيات وكل الأمنيات كانت لدينا بأن تتوقف البراميل والصواريخ بالتساقط والطائرات بالتحليق فوق رؤوس العباد والبلاد، لكن ليس بهذه الطريقة. وإن كان على هذه الشاكلة (الشعب يريد تساقط البراميل) فليس محبة بالبراميل، لكن كمثل كريم شريف يفضل أن يذبح عرضه على أن ينال منه العدو .
نعم هذا ما حصل تماماً، لأن تبقى سماء كفرزيتا واللطامنة وخان شيخون والهبيط.. مستباحة من البراميل والطائرات خير من أن تدنس أرضها أرجل المحتلين والغزاة والخونة.
ربما لا يصدق أحد أن اليأس والحزن سيطر على أهالي المنطقة بعد أن توقفت السماء عن إمطارها بالبراميل والصواريخ والقذائف..
هذا الكلام ليس من نسج الخيال وإنما كان واقعاً ملموساً، في تلك الليلة السوداء انتشر مقطع صوتي على غرف الوتساب لأحد الأخوة الناشطين يقول برسالته الصوتية “أبشركم يا شباب البراميل تنزل الآن على اللطامنة”، في تأكيد منه على أن الثوار لا يزالون هناك.
تسع سنوات ونحن نتابع لحظة بلحظة صباح مساء أخبار البراميل والقذائف على المنطقة خصوصاً وعلى سوريا عموماً، وكنا ندعو الله ليل نهار أن يوقفها من عنده.
أما أهلنا الصامدون في الداخل فقد اعتادوا عليها، وأصبحت جزءاً من يومياتهم، خاصة البراميل المتفجرة فلم تعد تخيفهم كثيراً، وقد أصبح لديهم الخبرة الكافية في رصدها ومعرفة مكان سقوطها، ويقال في إحدى المرات إن شابين كانا يشربان الشاي أمام المنزل في بلدة كفرزيتا ، وكانت المروحية تحلق في سماء البلدة وتستعد لإلقاء برميلها المتفجر، قال أحدهما للآخر: دعنا ننزل إلى القبو، فرد عليه صديقه لا تخف إشرب شايك فالبرميل بعيد عنا، وبالفعل نزل البرميل بعيداً عنهما بينما تابع الشابان جلستهما في الشارع وهما يشربان الشاي.
حدث هذا قبل دخول قوات المحتل الروسي إلى خط المعركة، لكن بعدما دخلت طائرات الإحتلال الروسي، تغيرت معالم المعركة، وأصبحت تحرق الأخضر واليابس وتصهر الحجر والشجر والبشر في بارود حقدها.
وأخيراً توقفت البراميل ولم تعد السماء ملوثة بالدخان والبارود، لكن بعد أن نزلت كل تلك القاذورات على الأرض ودنس الأوغاد ترابها المشرئب بدماء الشهداء.
لقد ازدادت حياتنا يأساً وبؤساً، كنا نتمنى لو تبقى البراميل تمطر سماء بلادنا إلى يوم الدين، ما دام أبناؤها يحرسون حدودها، نعم لقد توقفت نيران البراميل والصواريخ ، لكن هناك داخل كل حر شريف لا تزال تشتعل جمرة تحرق القلوب والأكباد.
ولم يعد الدخان يتصاعد يا محمود.. لكن الأمل بالله لا ينقطع.
للكاتب معاذ عبدالرحمن الدرويش نقلا عن موقع حرية نت