لم يقف الأمر عند حدود الأزمة السورية منذ اندلاع الكفاح المسلح ضد النظام السوري الذي تجاهل مطالب شعب ينادي بالكرامة وصيانة الحقوق المدنية والحريات ليحرف الثورة السورية عن مسارها السلمي ويعطي المبرر لنفسه أمام العالم أنها ثورة عمالة وإرهاب ليضع الشعب السوري أمام خيارين وأحلاهما مر، إما الخنوع لنظام بشار الأسد أو مواجهة المدفعية والصواريخ والطائرات التي دمرت كل شيء وغيرت معالم سوريا بالكامل ولم يقتصر التغيير على المعالم، بل تعدى للعادات والتقاليد الاجتماعية لأبناء الشعب السوري التي لطالما حرصوا على الحفاظ عليها والتمسك بها.
فمع بداية النزاع في سوريا وتطور الأحداث بشكل يومي على الصعيد العسكري ومانجم عن ذلك من قتل وتشريد وتدمير للقرى والمدن والبلدات، بدأت تظهر في المجتمع السوري مفاهيم جديدة تتلاءم مع الواقع المأساوي الذي فرضه النظام وافتقارا للعادات والتقاليد التي كانت تعد مفاهيم ثابتة لايمكن الاستغناء عنها لأنها نتاج حضارة الآباء والأجداد لكن واقع الحرب والقصف والدمار لعب دورا قويا في تحديد مفاهيم المجتمع وفرض واقع جديد على أبناء الشعب.
نتحدث مثلا عن ..العزاء”حيث كان له طابع خاص ومفهوم خاص وسلوك معين يمارسه أبناء الشعب السوري من خلال العادات والتقاليد الموروثة في كيفية التعامل، في الوقوف إلى جانب أهل المتوفى ومساعدتهم ومواساتهم والتكفل بموضوع العزاء كاملا ومايترتب على ذلك من تكاليف مادية.
ولم يكن الأمر مقتصرا على قرية المتوفى بل كان ذلك ينطبق على المجتمع بأسره إذ كان أبناء المجتمع يتوافدون من كل المناطق للمشاركة في أداء واجب العزاء لأن ذلك يعد أمرا وواجبا أخلاقيا لايمكن التفريط فيه.
لكن في ظل الازمة السورية بدأت هذه العادات والتقاليد بالتلاشي شيئا فشيئا ولم يعد لها ذلك الأثر في نفوس أبناء المجتمع لأن الواقع اليومي للسوريين أصبح يحمل لهم الكثير من الموت والدمار فأصبح التمسك بتلك العادات أمرا شاقا عليهم إذ أنهم يستقبلون في اليوم الواحد عشرات الشهداء وهذا هوالطابع العام لكل الاراضي في سوريا عدا المناطق الموالية لنظام الأسد، إذ أصبح اليوم مفهوم وواجب العزاء أمرا لاوجود له ومن الصعب التقيد بذلك لأن الظروف تغيرت فكان لابد من التغير معها فالعزاء للأسرة فقط ولم يعد التآلف والتكافل الاجتماعي في حالات العزاء موجودا.
وعن الزواج..وعلاقات النسب والمصاهرة التي كانت تؤلف روابط اجتماعية قوية يتميز فيها المجتمع السوري وخصوصا مجتمع الأرياف، إذ كان للزواج وطقوس الاحتفال به طابع خاص تلعب العادات والتقاليد الدور الأكبر في ذلك، وغالبا ماكان يستمر حفل الزواج ثلاثة ايام بالاضافة إلى الولائم والذبايح التي تقدم من أبناء القرية هدية ومساعدة للعريس وذويه، لكن اليوم في ظل هذه الأحداث شهد الأمر تغيرا، فلم تعد تجد ذلك التكاليف، والمشاكل المادية التي كان يعاني منها الشاب السوري الراغب في الزواج نتيجة للعادات التي نشأ عليها من تأمين منزل ومتطلباته، لكن أصبح الوضع في سنوات الثورة السورية مختلفا تماما حيث ارتفعت نسبة المتزوجين عما قبلها لأن اختلافا طرأ على العادات والتقاليد ولعبت ظروف الأزمة السورية الدور الأبرز في ذلك حيث أن الظروف والتحديات التي يمر بها أبناء المجتمع أجبرتهم على عدم التقيد بالعادات والتقاليد التي يتمسكون بها ويؤمنون بها لأن الواقع الجديد في ظل هذه الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار للذهب أزاحت عبء المسؤولية للراغب بالزواج.
فلم يعد التقيد بموضوع المهر للعروس أمرا هاما كالسابق ولاحتى بالمسكن الشرعي فقد شهد المجتمع السوري مئات الحالات لشبان تزوجوا في مخيمات اللجوء، ناهيك عن الشباب الذين استشهدوا في ساحات المعارك أو اللذين قضوا بسبب قصف الطائرات الأمر الذي أدى لكثرة حالات النساء اللواتي ترملن ماجعل العديد من الشبان وكل من يستطيع أن يقيم بمصروف العيش وتكاليفه بالإقدام على الزواج من أرملة دون الرجوع للأهل والعادات والتقاليد، فالظروف هنا هي التي تحكمت ولايقف الأمر عند منطقة دون أخرى بل أصبح هذا الأمر حالة عامة في كل المناطق المحررة حتى تعدى الداخل إلى الخارج في مخيمات اللجوء السوري في تركيا ولبنان والاردن.
الأغيد النعيمي – المركز الصحفي السوري