عندما تتحول المدارس من مكان للأمان وبناء الجيل الواعد و أمل المستقبل إلى مكان رعب وخوف وقلق، ويصبح من الصعب على الاطفال تقبل الدخول إلى أي مدرسة، فلم تعد بالنسبة لهم ذاك المكان الذي يشعرهم بالأمان، عندما يضطر الطلاب في سوريا الى عدم الذهاب للمدراس ومتابعة تعليميهم بسبب القصف المستمر في الداخل السوري وعدم القدرة على تحمل تكاليف دراسة الطفل في الخارج هنا تكمن المشكلة.
تروي مرشدة نفسية في إحدى المدارس الموجودة في تركيا في إحدى المناطق الحدودية معاناة المدارس والصعوبات التي تواجهها في أغلب دول الجوار، وما عاناه أغلب الطلاب بسبب انقطاعهم عن التعليم، أو بسبب تعرضهم للقصف.
حيث روت قصة “شهد” ابنة التسعة سنوات، والتي دخلت الأراضي التركية بعد معاناة من النزوح و التهجير وفقدان الأب إثر القصف على منزلها في إحدى قرى الريف الحموي، ثم لجوئها على إثر وفاة والدها إلى إحدى المدارس في ريف ادلب وتعرض المدرسة للقصف ثم نزوحها لمدرسة أخرى وتعرض المدرسة التي لجأت إليها أيضا للقصف وإخراجها من تحت الانقاض، مما تسبب لها بأثار نفسية جعلتها تخشى الدخول إلى المدرسة أو القدرة على الجلوس في الصف، فقد كانت دائمة البكاء والخوف من أن تقصف المدرسة وكان أبسط الأصوات يجعلها في حالة ذعر كبيرة ، وقد كانت في الصف الاول رغم أنه يجب أن تكون في الصف الثالث.
إن حالة “شهد” واحدة من آلاف الحالات التي يعانيها الطلاب في المدارس سواء في الداخل أو الخارج، حيث أن هنالك مجموعة صعوبات تواجه العملية التعليمية تتمثل في عدم كفاية المدارس وعدم استيعاب جميع الطلاب، وهذا ما يجعل الكثير من الطلاب خارج المدارس مما يترتب عليه مشكلات نفسية واجتماعية و ثقافية وارتفاع في نسبة الجهل.
إضافة إلى اتجاه الاهالي نحو إرسال أبنائهم إلى العمل وإعالة أسرهم وخاصة في ظل غياب رب الأسرة فأغلب أرباب الاسر أما قتيل أو في ساحات القتال، كذلك فإن انقطاع الطلاب فترات عن الدراسة تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات جعل أمر عودتهم للتعليم وجلوسهم في صفوف أقل من عمره ليتلقى تعليمه محرجة بالنسبة له، وهذا أيضاً يدفع بعض الطلاب إلى عدم اكمال تعليمهم، وهنالك تبرز مشكلات أخرى أيضاً في المناطق التي لا تتوفر فيها مدارس مجانية مثل اسطنبول حيث تكون تكلفت الدراسة مرتفعة جداً تتراوح بين (200- 2000)$ وذلك حسب المدرسة، مما يدفع الأهالي إلى عدم أرسال أولادهم إلى المدارس لعدم قدرتهم على تغطية تكاليف الدراسة.
حيث تقول زينب وهي والدة لثلاثة أطفال :” أولادي لم يذهبوا إلى المدرسة من سنتين وعندما تم افتتاح مدرسة سورية في منطقة السلطان أيوب وبتكلفة رمزية تمكنت من وضع اثنين منهم في المدرسة، وهم في الصف الثالث والخامس الآن، أما التي في الصف الثاني فقد تعهد مدير المدرسة بتكاليف دراستها”.
كذلك فإن هنالك صعوبات أخرى تعاني منها المدارس ومنها إتباعها لجهة سياسية معينة تبعاً للجهة التي تدعم المدرسة، فقد باتت المدارس هي مؤسسات سياسية أكثر منها تعليمية، تسعى إلى جعل طلابها ومعلميها أتباعاً لهذه الجهة سواءً كانت علمانية أم اسلامية ويتشربون مبادئها ، وحتى بلغ بهم الامر إلى وضع نظم وتعليمات خاصة تتناسب واتجاهاتها ، كمدارس الإيمان وأجيال السلام ومسلم كير ذات الاتجاه الاسلامي ، ومدارس بناة المستقبل و الاورينت ذات الاتجاه العلماني، و هنالك أيضاً مشكلة تعاني منها معظم المدارس مهما كان اتجاهها ألا وهي الواسطة، حيث يلاحظ أن المدارس تركز على انتقاء كادرها تبعاً للأقارب أو أهل المدينة والقرية ذاتها أو لمعرفة بأحد الإداريين أو الداعمين.
أضف إلى ذلك مسألة جداً حساسة الا وهي مسألة الابتزاز والمنية والاستغلال للمعلمين، فالداعمون يستغلون أن المعلمين قادمين من تحت القصف والدمار و أن بيوتهم قد تهدمت وانهم بحاجة إلى العمل ليأمنوا قوتهم فيستغلونهم بأعمال تدعم سياستهم من نشاطات وبرامج فقط غايتها الترويج الاعلامي لهم ، وبالمقابل فإنهم لا يحصلون على رواتبهم بانتظام، وكما أنهم لا يحق لهم الاعتراض على ذلك وإلا خسروا وظائفهم وهذا الأمر تعاني منه أغلب المدارس في منطقة هاتاي التركية، إضافة لذلك فإن المدارس ليست مجهزة كفاية بالوسائل التعليمية وحتى أنه يوجد نقص في الكتب وهذا الأمر يحمل المعلمين عبء أضافي في صنع الوسائل بأنفسهم .
وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذتها الحكومة التركية بالتعاون مع منظمة اليونيسيف والمنظمات التي تعنى بالشؤون التعليمية تجاه تعليم الطلاب السوريين والسماح للداعمين بافتتاح المدارس على أراضيها ، وتكفلها بأجور المعلمين حيث خصصت من خلالها لكل مدرس (900) ليرة تركية، إضافة إلى الدعم الاكاديمي من خلال إقامة دورات لأعداد الكوادر التعليمية ، إلا انه لايزال هنالك تحكم من قبل الداعمين بالمدارس ولاتزال الدعاية لهم ولسياستهم هي مركز الاهتمام أكثر من التركيز على تعليم الطلاب .
لابد للتعليم أن يكون مستقلاً وبعيداً عن أي سياسة تهدف لخدمة جهة ما ، كما أنه يجب السعي إلى حصول الطلاب جميعاً على نصيبهم من التعليم ، وانشاء صفوف خاصة للمتأخرين دراسياً، وإعانة الأسر الفقيرة على تغطية تكاليف دراسة أبنائها، الأجبال الآن هم من سيبنون بلادهم وسيعمرونها لذلك يجب بناؤهم عقلياً وفكرياً بصفاء ونزاهة، كذلك يجب تأمين الرعاية النفسية لهم و التخفيف قدر المستطاع من حدة المشاكل التي يعانونها وجعلهم ينخرطون في العملية التعليمية بسهولة ويسر.
باريزان اليوسف
المركز الصحفي السوري