ربما كانت مسرحية حرب باردة. شهِد العالم هذا الأسبوع إلقاء الاتهامات والاتهامات المُقابلة من قِبل الحكومتين الأميركية والروسية بشأن الوثائق التي سُرقت خلال اختراق للجنة الديمقراطية الوطنية ولحساب البريد الإلكتروني لرئيس حملة هيلاري كلينتون جون بوديستا.
وبدا أن فكرة تمتُع الشخصيات العامة بأي حق في الخصوصية فُقدت وسط الضجة المُحيطة بالقصة، ونُشرت المراسلات المسروقة في كل مكان في محاولة للتأثير على نتائج واحدة من أكثر الحملات الرئاسية الأميركية جدلاً وتعرضاً للانتقاد في التاريخ.
رأى البعض بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون، عندما كانت وزيرة خارجية، كانت لُقمة سائغة للاختراق لأنها لو لم تُرفع على خادم إنترنت خاص لأصبحت خاضعة لطلبات حرية تداول المعلومات ومتاحة لجمهور المستخدمين.
ربما يحتوي الأمر على شيء من الحقيقة، لكن ذلك لا يُغير حقيقة أن هناك مُراسلات بين شخصيات عامة يُزعم أنها تعرضت للاختراق من قِبل مَن يعملون تحت توجيهات حكومة أجنبية وصدرت من أجل أن يطّلع الجميع عليها، مع توافر فرصة ضئيلة لدى أصحاب تلك التسريبات لأن يضعوها في سياقها أو حتى التأكيد على دقة وصحة محتواها.
ويكيليكس باتت نموذجاً
خلقت التسريبات مُعضلة لدى المصوتين الأميركيين، وفقاً لروب جودري، الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي Sc2 ومستشار خاص سابق للقيادة المركزية الأميركية.
فهو يقول إن المصوتين بدوا وكأنهم بحاجة للمعلومات التي سُرّبت لكنهم لا يشعرون بالراحة التامة تجاه عمليات الاختراق التي كشفت عن تلك المعلومات.
ويُضيف “أكثر ما يُثير اهتمامي في الأمر أن الكثير من المنابر الإعلامية – بما فيها فوكس نيوز – تتحّول بوجهها الآن بكل نشاط إلى ويكيليكس وغيرها من أجل الحصول على معلومات كان من المُعتاد أن تحصل عليها من خلال طلبات حرية تداول المعلومات. إنه مُنعطف آخر غريب للأحداث”.
اتهام ورد
وجاء في تقرير نشره موقع CNN، على لسان هيلاري كلينتون في المناظرة الرئاسية الثانية يوم الأحد 9 أكتوبر/ تشرين الأول الحاري “لم نكن أبداً طوال تاريخ بلادنا في موقف تعمل فيه دولة أجنبية، عدوة لنا، جاهدةً من أجل التأثير على نتائج الانتخابات. وصدقوني، إنهم لا يقومون بذلك من أجل أن أفوز بالانتخابات. إنهم يفعلون ذلك في محاولة منهم لترجيح كفة دونالد ترامب”.
ردّ ترامب على تلك الاتهامات في لقاء جماهيري في مدينة أوكالا، بولاية فلوريدا، يوم الأربعاء 12 أكتوبر.
وصاح ترامب قائلاً للجماهير “كلما وقع خطأ ما ألقوا باللوم على روسيا. يجري اختراقنا لأن لدينا أفراداً لا يقومون بوظيفتهم جيداً. إنهم دائماً ما يلومون روسيا”.
وأضاف ترامب “يقولون إن ترامب صديق لبوتين. أنا لا أعرف بوتين أيها الناس. ما الذي يمكنني القيام به مع بوتين بحق الجحيم؟”.
عواقب وخيمة محتملة
يرى مالكوم نانس- وهو ضابط مخابرات سابق في البحرية ومؤلف كتاب “مؤامرة اختراق أميركا: كيف حاول جواسيس بوتين الإلكترونيون وويكيليكس سرقة انتخابات 2016”-، أن هناك استراتيجية متعمدة تقف وراء توقيت نشر الرسائل الإلكترونية المخترقة.
تخلط أحدث التسريبات معلومات خاطئة مع نصوص مُستخرجة من رسائل إلكترونية حقيقية مسروقة، كما يقول. “يُمثل ذلك هجوماً سياسياً بطيئاً على البنية السياسية الأميركية بأكملها. يشبه الأمر فضيحة ووترجيت – إنها ووترجيت حرفياً. لقد فعلوا ما لم يستطع نيكسون فعله”.
تتخذ الولايات المتحدة نهجاً مباشراً للغاية في التعامل مع ما أسمته اختراقاً تُديره روسيا. وهو أمر هام – وفقاً لريتشارد ستينون، مؤلف كتاب “ستكون هناك حرب إلكترونية” – لأنه لا يوجد جديد فيما يُزعم أن الحكومة الروسية قامت به في دورة انتخابات 2016.
يقول ستينون، وهو أيضاً المسئول عن استراتيجية مجموعة “بلانكو تكنولوجي”، شركة أمن بيانات مقرها جورجيا، “إن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لا “يُشعل الأمر” في حد ذاته، بقدر ما أنه تحوّل لأمر مُعلن. يُعد اختراق اللجنة الديمقراطية الوطنية وحملات الحزب الديمقراطي للكونجرس ثم تسريب الرسائل الإلكترونية المسروقة عملاً أخرق بعض الشيء، إلا أنه تصعيد لحملات التضليل المعلوماتي”.
حذّر ستينون كذلك أن إحدى العواقب الوخيمة المحتملة لتلك الجهود قد تكون حمل الأميركيين على التساؤل بشأن صلاحية نتائج انتخاباتهم الرئاسية.
إحراج لإدارة أوباما
“قد يؤدي التحقيق الذي تم في 23 عملية انتخابية على الأقل في ولايات أميركية متعددة إلى فقدان الثقة في نتائج الانتخابات إذا كانت الانتخابات مُغلقة”، كما قال ستينون.
وأضاف “تؤتي الأدلة ثمارها، إذ يمكن لنا دمج أدوات الجريمة الإلكترونية مع أدوات التشويش المعلوماتي. تُمثل الهجمات السافرة على انتخابات الولايات المتحدة –والمسئولين السياسيين– مجرد عامل واحد إذ يتسبب الاختراق المستمر وإتاحة الوثائق المسروقة لوكالات ومسئولين أميركيين علناً في إحراج إدارة أوباما”.
“بعد الانتخابات، سيتعيّن على الإدارة أن تكون مستعدة لمزيد من التصعيدات”.
ردٌّ منتظر
يقودنا ذلك إلى المسألة الثالثة والأخيرة: إن الولايات المتحدة ستُقاتل مرة أخرى. لا يعلم أحد بعد ما الشكل الذي سيأخذه هذا الرد، لكن كلمات الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض غوش إيرنست كانت واضحة حيال التزام الإدارة بألا تمر قضية الاختراقات بلا رد فعل.
حيثُ قال “فيما يتعلق بالاستجابة للأمر، سنتأكد بكل وضوح من وجود رد فعل أميركي مناسب. من غير المحتمل أن يُعلن عن رد فعلنا مُقدماً”.
“من الممكن بالطبع أن يختار الرئيس من بين خيارات رد فعل لم نعلن عنه أبداً.
تحدّث الرئيس من قبل عن القدرات الكبيرة التي تمتلكها الولايات المتحدة ليس لأجل حماية أنظمتنا في الداخل وحسب، لكن أيضاً لتنفيذ عمليات هجومية في بلادٍ أخرى. لذا فهناك طيف واسع من ردود الفعل المتاحة لدى الرئيس، وهو سوف يضع في اعتباره رد فعل متناسب”.
عندما تشن الولايات المتحدة هجومها المُقابل، سيحتاج مستخدمو الإنترنت لتوخي الحذر من التداعيات الرقمية – خاصة إذا انتهى الأمر لشن معركة مماثلة.
عليك العودة بالزمن إلى عام 2010 لوقت فيروس Stuxnet – وهو فيروس حاسب آلي عولجت تاريخياً جذوره الممتدة في أفرع جهاز الاستخبارات الأميركي والموساد في فيلم وثائقي ظهر لأول مرة في وقت مبكر من هذا العام. لم يكن القصد من وراء هذا الفيروس التأثير على المستخدمين بعيداً عن هدفه الأصلي في إيران، إلا أن ذلك قد حدث.
من أين بدأ الانتقام، وأين سينتهي؟