أعلنت واشنطن على لسان الجنرال، كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، عزمها استئناف عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش في الأيام والأسابيع المقبلة. وقال ماكنزي للصحافيين، على هامش قمة حوار المنامة الأمني في البحرين، إنّ قوة أميركية تتألف من 500 فرد تتواجد شرقي نهر الفرات وإلى الشرق من دير الزور حتى الحسكة، تنوي العمل مع شركائها لمواصلة العمليات ضد داعش حتى آخر وادي نهر الفرات حيث توجد هذه الأهداف.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب صدمت في وقت سابق حلفائها عندما أعلنت عن عزم واشنطن سحب جميع قواتها من سوريا. لكنها تراجعت في وقت لاحق وقررت الاحتفاظ بقوة في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، قائلة إنها ستركز على منع داعش من إعادة تجميع صفوفه في المنطقة ومهاجمة حقول النفط فيها.
وكان ترامب قد أعلن، بعد الغارة التي قتل فيها البغدادي، إن العالم أصبح أكثر أمانا. واعتبر وزير دفاعه، مارك إسبر، أن قتل البغدادي انتصار كبير على داعش، ولكنّ مسؤولين أميركيين أبدوا مخاوفهم مما سيأتي بعد البغدادي.
وفي 21 نوفمبر 2017، إثر السيطرة على مدينة البوكمال السورية، وجّه قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، ادعى فيها “نهاية دولة داعش”.
وظهر الرئيس الإيراني حسن روحاني في اليوم نفسه على التلفزيون الرسمي مبشّرا، على الهواء مباشرة، بنهاية التنظيم. وفي اليوم التالي أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا حول ما وصفته بـ”انتهاء دولة داعش الإرهابية”.
وجود نحو 20 ألف طفل أعمارهم من دون الخمسة أعوام في مخيمات في سوريا، ويمكن أن يشكّل هؤلاء الأطفال وقودا هاما لاستمرار داعش
ليست هذه المرة الأولى التي يهلل فيها الأميركيون، ويحتفي بها الإيرانيون معلنين النصر على داعش. فالتنظيم الذي أعلن عن وجوده صيف 2014، كان موجودا قبل ذلك بعشر سنوات، وقاتل القوات الأميركية تحت مسمى القاعدة، إلى أن أدت عملية عسكرية أميركية كبيرة لسحقه، حينها أيضا هللت الحكومة الأميركية، مبشرة بنهاية الحرب.
الهزائم السابقة لم تُنه التنظيم الذي تمكّن من الظهور بعد كل هزيمة. وفي ظل محاولة الولايات المتحدة من جديد إنهاء الحرب هناك في أعقاب انهيار ما سمي خلافة، يرصد تقرير نشرته مجلة “ذا أتلانتيك” مراحل التنظيم، وكيف استطاع الاستمرار رغم استهداف قياداته. ويحاول التقرير الإجابة عمّا إذا بإمكان داعش الاستمرار وتكرار تجربته في البقاء هذه المرة أيضا، وما الذي يمكن أن يصبح عليه شكل التنظيم في حال استمراره.
ويقول كاتبا التقرير، كاثي غيلسنان ومايك غيغلو، رغم مقتل زعيم داعش، وفقدان التنظيم في العام الماضي آخر مناطقه، التي بلغت مساحتها في أوج سيطرته ما يعادل حجم بريطانيا، ما زال داعش والظروف وحتى البيئة التي هيأت ظهوره قائمة. قد يكون داعش أضعف اليوم، لكن ما زال لديه الآلاف من الأعضاء.
لتنظيم داعش هدف رئيسيّ، يكمن في نيته البقاء. وفيما كرر ترامب رغبته بالخروج من المنطقة تماما، يضع داعش نصب عينيه الجيل القادم. وأشار التقرير إلى وجود نحو 20 ألف طفل أعمارهم من دون الخمسة أعوام في مخيمات في سوريا، ويمكن أن يشكّل هؤلاء الأطفال وقودا هاما لاستمرار داعش.
وقد هرب بعض أعضاء داعش من العراق وسوريا عندما فقد التنظيم مناطقه، بنية نشر رؤيته العنيفة. ولا يتوقع آرون زيلين، باحث في المنظمات الجهادية، فورة جديدة لداعش، قريبا، ولكنه يشير إلى احتمال أن يحافظ داعش على مكوّنه الرئيسي في العراق خاصة، وفي سوريا أيضا، لأن التنظيم يعمل بسهولة تحت الأرض في مناطقه، ونجا من قبل بهذه الطريقة؛ بواسطة ارتباطات بين أنصاره وفروعه حول العالم. ومن هناك، يستطيع الانتظار، تطبيقا لرؤية طويلة الأمد وضعها قادته باسم “إستراتيجية الأجيال”.
“إنهم يعتبرون هذه الفترة بمثابة معركة استنزاف، وفي نهاية المطاف سيصيبون الجميع بالإرهاق. هم ليسوا متحجري التفكير، بل هم على استعداد للتطور.. لا يتعلق الأمر بالقتال وحسب، بل هو مشروع مجتمعي”.
ويعتقد آخرون أن داعش قد يعمل كحركة إجرامية خطيرة، قادرة على تنفيذ عمليات قتل وسلب وابتزاز، لكن برأيهم تستطيع قوات أمنية محلية التعامل معها.
وكان راسل ترافرز، القائم بأعمال مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب قال أمام لجنة في الكونغرس إن داعش فقد الكثير من القادة، ولكنه مستعد أيضا لخسارة محتملة في صفوف زعمائه، مشيرا إلى “بيروقراطية جديدة في تخطيط للخلافة”، كما أنهم سيستغلون حالة عدم الاستقرار في سوريا والعراق.
ولا يزال التنظيم قادرا على المناورة، خاصة وأن الجماعات الإرهابية طوّرت من تكتيكاتها ومن طرق استخدامها للتكنولوجيا. ورغم فقدانه تقريبا لكل الأراضي التي استولى عليها، إلّا أنه “أثبت قدرته على التكيّف، خاصة من خلال جهوده لإلهام وتوجيه أتباعه عبر الإنترنت”.
وقدّر ترافرز أن داعش لا يزال لديه نحو 14 ألف عنصر في سوريا والعراق، ما يعني أنها أرضية خصبة لتمرد طويل الأجل.
من جانبه قال السفير الأميركي في سوريا، روبرت فورد، إن النجاح في القضاء على داعش يتم بإقناع دول المنطقة بضرورة التعامل مع مشكلات داعش بشكل منفرد، مشيرا أن الفرصة كانت متاحة لإدارة ترامب لفرض مثل هذا الأمر خاصة مع انتهاء الجزء العسكري من الصراع.
ولئن حظي التنظيم باهتمام عالمي، بسبب خطورته المتمثلة في خطابه المتطرف وجرائمه ضد الأقليات وقدرته على تجنيد الإرهابيين وشنّ العمليات الإرهابية، إلا أن الجماعات الجهادية الأخرى لا تقلّ خطورة عن داعش ولا تختلف عنه إلا من حيث الدرجة، فالغاية التي ينشدها الجهاديون بمختلف توجهاتهم واحدة، لكنهم يسلكون طرقا مختلفة للوصول إليها.
وكشف مؤشر الإرهاب العالمي 2019، أن الهجمات التي نفذتها حركة طالبان خلال العام 2018، كانت أكثر فتكا من أي هجمات شنّتها تنظيمات أخرى حول العالم، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية. وأظهر المؤشر أن طالبان حصدت أراوحا بصورة أكبر للغاية مما قام به تنظيم داعش العام الماضي، رغم أن عدد الوفيات الناجم عن عمليات إرهابية تراجع خلال 2018.
وأشار إلى أن 71 دولة سجلت على الأقل مقتل شخص واحد بسبب عمليات إرهابية خلال العام 2018، وتصدّرت أفغانستان قائمة الدول بتسجيل أكثر من 7 آلاف حالة وفاة بالإرهاب. وكان تنظيم داعش مسؤولا عن 1328 وفاة خلال العام 2018 وهو الرقم الذي يعتبر تراجعا كبيرا عن الأرقام التي سجلها التنظيم في العام السابق، ملقية الضوء على أن العام الجاري هو العام الأول الذي لا يتربع فيه داعش على قائمة أكثر المنظمات الإرهابية فتكا منذ العام 2014.
نقلا عن القدس العربي