تعيش تركيا وضعا صعبا بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية، وفيما كانت تراهن على دعم أميركي لها بمواجهة سلسلة العقوبات الروسية فإن واشنطن نأت بنفسها وتركت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحيدا في مواجهة تهديدات نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وقال مسؤول أميركي إنه بعد إسقاط الطائرة الروسية الأسبوع الماضي أوقفت الولايات المتحدة في هدوء طلبا لها منذ فترة طويلة بأن تقوم تركيا بدور أكثر فاعلية في الحرب ضد داعش.
واعتبر مراقبون أن هذا الموقف يسحب من تركيا أيّ مبرر لتحريك قواتها على الحدود السورية، فضلا عن تحديد مساحة تحرك طائراتها في المجال الجوي السوري بزعم استهداف مواقع داعش.
وواضح أن الخطوة الأميركية تأتي لاسترضاء موسكو وكسب ودها خاصة أنها أصبحت اللاعب الرئيسي في المشهد السوري، وأن أيّ تحرك عسكري أو سياسي ينبغي أن يمر عبرها، وفي المقابل فإن تركيا ستتقبل الموقف الأميركي في ظل ضآلة الخيارات لديها.
وزادت واشنطن بتأزيم وضعية حليفتها أنقرة حين تبرأت من مبررات وجود قوات تركية داخل العراق لتدريب قوات البيشمركة في سياق الحرب على داعش، وهو ما سمح بهجوم دبلوماسي عراقي كبير على الأتراك مطالبا إياهم بالانسحاب الفوري.
ودعت بغداد السبت أنقرة إلى أن تسحب فورا قواتها من العراق بعد نشر جنود أتراك في محيط الموصل (شمال)، الأمر الذي اعتبرته انتهاكا لسيادتها.
وقلل الأكراد من أهمية الخطوة التركية، موضحين أنها في إطار عمليات يشارك فيها الأتراك لتدريب مقاتلين أكراد سنة في المنطقة.
وعزا متابعون للشأن العراقي إثارة بغداد لهذه القضية بشكل قويّ إلى وجود أزمة أخرى ناجمة عن رعونة تصريحات الرئيس التركي ضد حليفتها طهران، وأن الأمر له علاقة بالتحالف الروسي الإيراني في سوريا ورغبة البلدين في بقاء الأسد بالسلطة.
وقد بدا ذلك واضحا في تصريحات قوية لنائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، منصور حقيقت بور.
وقال حقيقت بور في تصريح لوكالة فارس أمس إن المسؤولين الأتراك يتصورون أن عمالتهم لأميركا تصنع لهم الحصانة، مضيفا “لهذا السبب نلاحظ تجرّأهم بين الحين والآخر ولذلك ينبغي الرد المناسب على تجاوزات مسؤولي مثل هذه البلدان”.
وكان أردوغان اتهم إيران بأنها تقف إلى جانب روسيا في توجيه التهم لبلاده.
وقد يؤدي الغضب الإيراني من تصريحات أردوغان إلى إفشال سياسة الرئيس التركي التي اعتمدت السير على الحبال المختلفة خلال السنتين الماضيتين، فقد كان يتقرّب من موسكو وطهران ويبني علاقات قوية معهما، وفي نفس الوقت كان يهاجم الرئيس السوري بشار الأسد ويدعم معارضيه، وخاصة المجموعات الإسلامية المتشددة.
وفي خط آخر، كان يقدم نفسه صديقا للولايات المتحدة، ويفتح قاعدة أنجرليك أمام طائرات غربية لقصف داعش.
لكنه في النهاية لم يكسب هذا الفريق أو ذلك، كما فشلت خطته لتسويق نفسه كبديل سنّي داعم للأميركيين وقادر على تحريك سنّة المنطقة وراء المصالح الأميركية مستفيدا من علاقاته المثيرة للشك والارتياب مع المجموعات الإسلامية المتشددة، وخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين التي وسّعت الخلافات بينه وبين دول سنية مركزية.
وإذا كانت علاقات تركيا مع مصر وصلت إلى طريق مسدود، فإن محاولاته للتقرب من السعودية لم تتجاوز مجرد حسن النية. لكن الموقف من اليمن، وخاصة التنسيق التركي الإيراني لبحث تأهيل الحوثيين أفشل رهان أردوغان في التحالف مع السعودية لأنه لا يهدف إلى إسناد سنة العراق وسوريا في مواجهة التمدد الإيراني، لكن كانت غايته اختراق الموقف الخليجي من الإخوان.
العرب