تقارير للوهلة الأولى، لا يبدو ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط مدينة تعصف بها الحرب، حيث تعج الشوارع بحركة السيارات والنساء الأنيقات اللائي وقف بعضهن لتبادل أطراف الحديث تحت النخيل، بجانب روعة بساتين البرتقال الممتدة لأميال. بيد أنه مع إمعان النظر، ازدادت دلائل الحرب وضوحًا، مثل رجل يرتدي زيًا مموهًا يتسوق وهو يحمل بندقية «كلاشينكوف» على كتفه، ونقاط التفتيش العسكرية التي مررت بها من وقت لآخر، والمباني التي توقف بناؤها جراء الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا منذ خمس سنوات حتى الآن. وبالنسبة لمجموعة من المراسلين الدوليين شاركوا في جولة على مدار خمسة أيام داخل سوريا، نظمتها وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان، بدت التناقضات مذهلة. مع بداية الجولة، ركبنا حافلة ترافقها حماية عسكرية، ومررنا عبر شوارع اللاذقية التي بدت هادئة تحت أشعة الشمس الساطعة. يذكر أن المدينة تقع في قلب الموطن العلوي للرئيس بشار الأسد. وأثناء جولتنا، مررنا بدبابات وناقلات جنود مدرعة وحافلات مدمرة ومحترقة داخل المناطق التي شهدت معارك مؤخرًا. وأثناء وجودنا بقرية جبلية، تعرضنا لسقوط قذائف حولنا، ما دفعنا إلى الفرار نحو الشارع لركوب شاحنة مصفحة بحثًا عن الأمن. من على الجدران والنوافذ بشوارع اللاذقية المزدحمة، تتدلى صور الأسد ووالده، حافظ. وتنتشر في المدينة المقاهي والمطاعم التي تقدم أطباق الكباب والحمص. ومع ذلك، فإنه على بعد قرابة خمسين كيلومترًا فقط (قرابة ثلاثين ميلاً)، كانت توجد الخطوط الأمامية لحرب أهلية مشتعلة منذ عام 2011 أسفرت حتى الآن عن مقتل ربع المليون شخص وتشريد نصف أبناء سوريا. مع اقتراب مجموعتنا من تلك الخطوط الأمامية، بدأت المباني التي لم ينجز بناؤها تمامًا في التلاشي، لتحل محلها منازل دمرها القتال. في بعض الأماكن، جرت الاستعاضة عن بعض الجدران بألواح، بينما ظهرت بعض المدارس المعلقة عبر مناطق خربة، في إشارة إلى وجود حياة في خضم الدمار. ومع اقترابنا من ميادين القتال، بدا الجنود في نقاط التفتيش أكثر توترًا وأكثر جاهزية لإطلاق النار. وعبر قلب حماه، رافقتنا شاحنة مصفحة يعلوها مدفع رشاش وجندي حرص باستمرار على مراقبة المنطقة المحيطة. وعند تقاطع طرق خارج حماه، جرى نقلنا إلى مركبات مدرعة تخص الجيش الروسي، في مؤشر واضح على الخطر الذي ينتظرنا. ومضينا في طريقنا في ظل حماية جنود روس. داخل قرية معرزاف، الواقعة على بُعد نحو 15 كيلومترًا (تسعة أميال) إلى الغرب من مدينة حماه، استقبلنا العشرات من الرجال المسلحين بشدة من المنتمين إلى ميليشيا خاصة تعرف باسم ميليشيا الشيخ أحمد مبارك، وهو زعيم بارز بالمنطقة. وقد شاهدناه يوقع اتفاقا يتعهد بمقتضاه باحترام وقف إطلاق النار الذي بدأ 27 فبراير (شباط). وكان عمر بعض مقاتليه لا يتجاوز 15 عامًا، ومع ذلك بدوا فخورين بأسلحتهم. وعندما بدأت شاحنة روسية في إنزال مساعدات إنسانية، تزاحم المقاتلون مع المقيمين للوصول إلى بعض منها، بل وهدد أحدهم بإطلاق النار لإبعاد بعض الصبية المشاكسين. إلا أنه بوجه عام، كان الشعور العام بالفضول أكبر من الشعور بالخطر. وسرعان ما تحولت مسؤولة إعلامية من وزارة الدفاع الروسية لبؤرة الاهتمام، مع تزاحم الرجال لالتقاط صورة معها. في المقابل، جاءت زيارة قرية جبلية قرب الحدود مع تركيا، مروعة بدرجة أكبر، حيث عانت معظم منازل قرية غنيمية، على سبيل المثال، التي سيطرت عليها قوات الجيش السوري من أيدي مسلحين مؤخرًا، من الدمار، مع وضوح آثار القذائف على الجدران وغياب النوافذ والأبواب كلية. وبدت الصدمة على وجوه سكان القرية الذين عادوا إليها بعد فرارهم لتفقد منازلهم. بعد
(موقع سوريتي)