حدد الرئيس دونالد ترامب في أول مناظرة متلفزة له مع منافسه الديمقراطي جوزيف بايدن نبرة المناظرة وحوّلها إلى أسوأ مناظرة في التاريخ الأمريكي الحديث، هذا ما اتفق عليه كل من تابع المناظرة التي استمرت على مدى ساعة ونصف في قاعة كليفلاند.
وقال دان بالز في تقرير كتبه بصحيفة “واشنطن بوست”: “تسعون دقيقة من السب والمقاطعات والهجمات الشخصية.. كانت إهانة للرأي العام ومثالا حزينا عن حالة الديقراطية الأمريكية قبل خمسة أسابيع من الانتخابات الرئاسية. وعلى الهامش، فقد ساعدت المناظرة بايدن أكثر من الرئيس في اللحظة التي كان ترامب يريد فيها تغيير مسار الحملة الانتخابية”.
ولكن ليس هذا هو الذي سيتذكره الناس. وحتى المتحزبون الذين فكروا في الخيارات الأخرى شعروا بالإحباط ولا يعرفون ما ستكون عليه المناظرتان القادمتان بين الرجلين. فعلى مدى العقود الماضية كان الرأي العام يحصل على فرصة للمقارنة بين المترشحين في مناظرة عامة ومفتوحة، ومحكّم يحاول البقاء على خط الحياد قدر الإمكان. وعادة ما كانت المناظرات تحتوي على استعراضات وكلمات حادة ولكن في الحدود المقبولة، وكل هذا خرج من النافذة ليلة الثلاثاء.
وقال بالز إن نبرة المناظرة حددها ترامب في الدقائق الأولى ولم تتغير طوال الفترة التي خصصت لهما. فقد تجاهل ترامب كل الوقت، المحكّم كريس والاس الذي ناشده طوال الوقت للحفاظ على النظام والالتزام بشروط الحوار، حيث انتهز الرئيس كل فرصة ولحظة للسخرية من بايدن وهز ثقة منافسه والحصول على أكبر وقت للحديث.
وأضاف الكاتب: “هذا هو ترامب الذي يعيش في عالم تويتر، لا الرجل الذي يحتل أعلى منصب في البلاد”. وبدا بايدن الذي نُصح بالحفاظ على برودة أعصابه، غاضبا من سلوك ترامب، وردّ في الوقت المناسب وكان جاهزا للرد ولكن بعبارات رافضة. كما بدا محبطا في لحظة عندما قال: “ألا تغلق فمك يا رجل”.
وعبّد بايدن الطريق أمام السقف المنخفض الذي حددته له حملة ترامب ولكنه لم يقدم الأداء المطلوب. وانتهت المناظرة الكئيبة كما بدأت، عندما قال ترامب بدون أدلة أن التصويت عبر البريد ينتشر فيه التزوير ولهذا فهي أصوات باطلة.
ورفض ترامب الالتزام بالسيطرة على أنصاره والحفاظ على هدوئهم حتى يتم عد آخر صوت. وأظهر أنه سيحرض أنصاره على تحدي ومخالفة العد في أي مكان. وقال إنه لن يقبل بنتائج الانتخابات إلا إذا اعتقد أنها نزيهة. من جانبه قال بايدن إنه سيقبل بالنتائج، وتوقع عدم قبول ترامب بها مهما كان الفائز.
وبالنسبة لترامب، مقدم برامج تلفزيون الواقع، فهو يعرف كيف يدير النقاش على المسرح: الهجوم على خصمه والتنمر عليه وتجاهل القواعد. وبالنسبة لوالاس مقدم البرامج المجرب، فقد كانت المناظرة كابوسا. ونادى مرة “سيدي الرئيس، سيدي الرئيس” الذي رفض الصمت. وفي مرة قال “جنتلمان”، حيث هاجم الخصمان بعضهما البعض في اتهام ترامب لنجل بايدن، هانتر.
ومن النادر أن ناقش المتنافسان خلافاتهما بهدوء في مناظرة اشتملت على عدة موضوعات مثل فيروس كورونا، المحكمة العليا، الاقتصاد والعدالة العرقية والعنف في المدن الأمريكية.
وبدلا من الدخول في مناظرة مؤدبة، قاطع المتنافسان بعضهما البعض. وأي محاولة لتقييم المناظرة بالمعايير التقليدية يعطيها أكثر مما تستحق، وبالنسبة للكثيرين لم تكن تستحق المشاهدة أصلا، ولسان حالهم يقول: “خذ الريموت وغير القناة عن مناظرة كانت تخدم البلد في الماضي”.
وتساءل بالز عما يمكن أن يحققه المتنافسان من المناظرتين القادمتين، قائلا إن “لا أحد يعلم، ولكن المؤكد هو توتر ووضع البلد على الحافة”.
وجاء بايدن جاهزا لكي يقدم رؤيته، وبدا في بعض الأحيان مركّزا أكثر من الرئيس ترامب. وفي السؤال الافتتاحي حول المحكمة العليا وتعيين مرشحة بدلا من القاضية روث بيدر غونسبيرغ، والإجهاض ووفاة أكثر من 200 ألف شخص بسبب فيروس كورونا، صوّر ترامب بالكذاب الذي لا يعرف ما يفعل.
ويقول بالز إن ترامب مارس لعبة مختلفة تقوم على الهجوم والتقليل من شأن منافسه، وهاجم بايدن بشدة خاصة في موضوع النظام والقانون، وحاول ربط بايدن بفكرة أنه يساري، في محاولة لإغضاب اليسار.
وفي بعض الأحيان تهرب المتنافسان من الإجابة. ولم يقل بايدن أي شيء حول دعمه لتوسيع المحكمة العليا. ولم يجب ترامب عن أسئلة حول دفعه ضرائب بقيمة 750 دولارا في عامي 2016 و2017 حسبما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز”.
وكان ترامب بحاجة إلى هذه المناظرة أكثر من بايدن؛ نظرا لما تعانيه حملته الانتخابية. وقبل أربعة أعوام جاء إلى المناظرة مع هيلاري كلينتون والاستطلاعات تتقارب، لكن هذا العام لا تتحرك الاستطلاعات باتجاهه، وتقدم عليه بايدن بتسع نقاط قبل مؤتمرات الحزبين، ويتقدم بثماني نقاط الآن.
ولم يكن ترامب قادرا على كسر الحاجز وزيادة شعبيته إلى ما فوق 40% فهو يراوح ما بين 43- 44% أما بايدن فشعبيته تصل إلى 50%. وكان التحدي الذي واجهه ترامب يوم الثلاثاء هو تحويل السباق الرئاسي من استفتاء عليه إلى اختيار بينه وبايدن، وهي استراتيجية كل رئيس يحتفظ بالمنصب، ولكنها مهمة لهذا الرئيس الذي جعل نفسه في اليمين واليسار والوسط بطريقة أضرته سياسيا.
ولكن استراتيجية الهجوم التي تبناها قد تكلفه الكثير. وربما خسر بايدن بعض الفرص، لكن استراتيجيته كانت تقوم على عمل أي شيء يغير مسار السباق. ونجح في هذا الهدف الصغير.
وفي النهاية فالخاسر هي الديمقراطية، خاصة في النتائج التي ستنجم عنها الانتخابات. وتوصف هذه بأنها أهم معركة انتخابية تشهدها الأجيال، والبعض يقول إنها الأهم في تاريخ البلد. ولكن ليس ما كان الناس يتوقعون سماعه عندما فتحوا أجهزة التلفزة. وربما زعم كل متحزب النصر لطرفه، ولكن الليلة لم تكن مناسبة للحديث عن انتصار للبلد، بل العكس صحيح.
نقلا عن القدس العربي