نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للباحثة في العلوم السياسية وحقوق الإنسان، صوفي فوللرتون، قالت فيه إن “المؤثرين” (إنفلونسرز) يقومون بتبييض جرائم النظام السوري، بتمويل من داعميهم الغربيين.وفق القدس العربي.
وجاء في المقال: “في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وفي نفس الوقت الذي كانت فيه مدونة الفيديو (فلوغر) جانيت نيوهام تصور نفسها وهي تتمشى في شوارع دمشق وحلب، قُتلت عائلة بمن فيها ثلاثة أطفال بغارة روسية في شمال غرب سوريا، لكن لم يعرف أي من المشاركين في قناة نيوهام وعددهم 170 ألف متابع، أن سوريا لا تعيش حربا”.
وبعد حرب مدمرة دعمتها القوات الإيرانية والميليشيات الطائفية والطيران الروسي، استطاع نظام بشار الأسد استعادة السيطرة على معظم سوريا التي لا يزال نصف سكانها مشردين، والنصف الثاني يعيشون في ظل الإرهاب الذي دفعهم للانتفاضة ضده عام 2011. إلا أن انتصار النظام كان باهظا، فهو منبوذ يعاني من العقوبات ومدين في انتصاره لإيران وروسيا، وهو بحاجة لشريان حياة بسرعة. ومن الصعب إقناع المستثمرين بأن البلد منفتح للاستثمار، في وقت لا تزال صورته مرتبطة بالحرب الوحشية. وبعد سقوط حلب قبل ستة أعوام، حاول النظام تجنيد الصحافيين الدوليين من إجل إعادة تأهيل صورته.
وقالت الكاتبة إن صهر الأسد، فواز الأخرس قام بعدة زيارات إلى دمشق والتقى بالمسؤولين بمن فيهم الأسد نفسه. وكانت الجهود بمثابة كارثة علاقات عامة. فقد كتب معظم الصحافيين مقالات ناقدة حول تجربتهم.
وعلى مدى عدة أعوام، عمل النظام بجهد لتجنيد المؤثرين كي يقوموا بتحسين صورته. وكانت الفكرة بارعة؛ لأن المؤثرين السياح لا مواقف سياسية لهم، واهتمام المتابعين متركز على الصوت والرائحة والطعام. فالنبرة الواردة في الفيديوهات مرحة وبدون أي مجال للتذكير بالمأساة التي تعرض لها البلد. ورغم صور الدمار التي احتوت عليها الفيديوهات، إلا أن البيوت المهدمة باتت جزءا من جمالية الصورة، مضيفة ملمحا من الخطر والمغامرة للتجربة. وفي منشورات إنستغرام وتيك توك، فصورة المؤثرين وهم يقفون أمام الأحياء المهدمة ليست أمرا غير عادي. وبالنسبة لهم، فهي جزء من صورة الشرق الغريبة (أكزوتيك) إلى جانب الأسواق المساجد والقلاع والمطاعم.
ويدخل المؤثرون إلى سوريا من خلال تأشيرات يحصلون عليها فقط عندما يرتبون مكان إقامة من خلال وكالات السياحة المرتبطة بالنظام. ويقوم النظام بالنظر في كل التأشيرات من أجل التخلص من الصحافيين والناشطين. وعندما يصل المؤثرون إلى سوريا، يتم تعيين مرافقين لهم، تحت غطاء مترجمين. وفي الوقت الذي لا يلقي معظم المؤثرين بالا للرعب الذي مر به البلد في السنوات الماضية، إلا أن البعض لديهم شعور بالذنب الأخلاقي. والنقد للفيديوهات بأنها لا تحتوي على “أجندة سياسية”.
وتعلق نيوهام، المؤثرة الأيرلندية: “لم أقصد أن يكون أي من الأفلام سياسيا”. وتقول في فيديو لاحق، إن الدمار الذي لحق بمدينة حمص، العاصمة الأولى للثورة، بأن كان على يد “قوى من خارج سوريا”. ويلقي المؤثر على تيك توك، داوود أخوندزاده، مسؤولية الدمار في البلد على الجيش السوري الحر، لأنه حمل السلاح ضد النظام، و”نتيجة لهذا، هذا ما بقي” مشير إلى حي سُويّ بالتراب.
وتعلق الكاتبة، بأن النظام يقوم باستغلال سذاجة وانتهازية المؤثرين، ويضخم تعليقاتهم، معلنا أن سوريا باتت آمنة للسياحة من خلال إعلامه الرسمي. وبدون ترديد كلام النظام بشكل واضح أو القيام بحملة علاقات عامة، فإن هؤلاء المؤثرين يدعمون أجندة النظام من خلال تقديم انطباع زائف عن البلد ومشاكله. فلا يزال معظم السوريين يعانون في مخيمات اللجوء بالخارج، فيما اختفى أكثر من 100 ألف شخص في سجون النظام وأقبية التعذيب.
ويشاهد السوريون في المنفى الذين لا يستطعيون السفر إلى بلدهم، تقارير لا تأخذ مشاعرهم بعين الاعتبار، يعدها مؤثرون لا يعرفون الحساسيات ولا يهتمون بمعاناتهم ويدوسون في أحيائهم وينتهكون قداسة المقابر الجماعية.
وتعلق الكاتبة أن “سياحة كهذه هي غير أخلاقية؛ لأنها تخفي في إطارها البريء الرعب. فنيوهام مثلا، تتحدث بحماس عن زيارتها إلى باب توما، ولكنها غير واعية بأنها ليست بعيدة عن فرع المخابرات الجوية الذي تقول هيومان رايتس ووتش، إنه واحد من أهم منشآت التعذيب في البلد”.
ورغم ما تقدمه السياحة هذه من قيمة للنظام، إلا أن المثير للقلق هي أن معظم المنشورات على منصات التواصل مدعومة من شركات غربية. فقد مولت شركات مثل دولنغو وسيرفشارك، وسكيلشير، فيديوهات أثناء “رحلات السفاري الوحشية”، واستطاع مدونو الفيديو تحويل الرحلات هذه إلى مال.
وفي بيان، قال المتحدث باسم غوغل -شركة يوتيوب- إنها تطلب من المنتجين والمعلنين الالتزام بالعقوبات المفروضة، وعدم الاستفادة ماليا من المحتوى الذي ينتهك هذه السياسات بدون الإشارة للفيديوهات حول سوريا. وفي واحد منها، استخدم مدون الفيديو البريطاني بنجامين ريتش، بيوتاً مهجورة كخلفية لبيع اشتراكات لشركة “سيرفشارك”. وقالت الشركة للصحيفة إنها ستحقق في الموضوع.
واعترفت نيوهام بنوع من التحفظ في الفيديوهات التي صورتها. عندما تم التواصل معها، رفضت التعليق. ومن الواضح أن هؤلاء المؤثرين لا يريدون التعامل مع التداعيات السياسية والأخلاقية الناجمة عن رحلاتهم إلى سوريا، و”نحن لا نستطيع مراقبة ضمير الناس، لكننا نستطيع مساءلة إن كانت الشركات التي تدعم سياحة كهذه تقوم بخرق العقوبات المفروضة على النظام بسبب انتهاكات حقوق الإنسان”.
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع