في الأيام القليلة الماضية، شارك آلاف الأشخاص في عدد من المدن في أنحاء ألمانيا في مسيرات احتجاجية ضد تدفق اللاجئين. ولكن ما أثار دهشة المراقبين ليس الشعارات التي هتف بها أو رفعها المشاركون في المسيرات الاحتجاجية بل الأصول العرقية والبلدان المنحدرة منها أصول هؤلاء المحتجين. فقد ذكرت تقارير صحفية ألمانية أن كثيراً من المحتجين مهاجرون هم أنفسهم أو مهاجرون سابقون. وقد أثار ذهول الخبراء والسياسيين على السواء أن يكون بعض أحدث مواطني ألمانيا من بين أشد المنتقدين للمهاجرين.
وقد أظهر مسح استشهد به على نطاق واسع قبل بضعة أسابيع أن نحو 25 في المئة من المهاجرين أصلاً يعتقدون أن ألمانيا يجب أن تتوقف عن استقبال اللاجئين تماماً بينما تبدو نسبة الدعم للاجئين أعلى بكثير وسط الألمان الأصليين إجمالًا بحسب استطلاع رأي لمعهد «إنفراتست ديماب». ولا يوافق إلا 4 في المئة فقط من إجمالي الألمان على أنه يجب على ألمانيا ألا تمنح حق اللجوء للفارين من الحروب. وقد ذكرت مصلحة الإحصاء الألمانية الرسمية أن عدد اللاجئين والمهاجرين الذين يعيشون في البلاد بلغ 10 ملايين أي 12 في المئة من إجمالي عدد السكان في عام 2014. وكانت ألمانيا قد استقبلت قبلها بعام أكثر من مليون لاجئ. وهناك سببان يفسران دافع المهاجرين تحديداً لمعارضة تدفق اللاجئين.
أولًا: الخوف من التداعيات. فالمهاجرون المسلمون خاصة يخشون من أن يكون لتدفق اللاجئين تداعيات سلبية عليهم اقتصادياً، وعلى مستويات أخرى أيضاً. وفي مقابلة مع تلفزيون «دويتشه فيله» الألماني، شرح عالم الاجتماع الألماني فريدريش هيكمان أن ردود الفعل العدائية ضد اللاجئين من قبل المهاجرين الأقدم هي جزء من «المنافسة بين المهاجرين راسخي القدم في البلاد والوافدين الجدد على الموارد نفسها أو موارد مشابهة». وأشار هيكمان، على سبيل المثال، إلى المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة وهي موارد محدودة. ولكن ما حدث في احتفالات رأس السنة في مدينة كولونيا، حيث يُعتقد أن مجموعة من المهاجرين تحرشوا بنساء، فاقم أيضاً المخاوف من تدفق مزيد من اللاجئين. ويعتقد بعض المهاجرين أن الألمان قد ينتهي بهم المطاف إلى شعور سلبي تجاه كل اللاجئين والمهاجرين، وإلى عدم التمييز بين المجرمين من ناحية والمهاجرين المنخرطين في المجتمع والمتشبعين بثقافته من ناحية أخرى.
ثانياً: التغطية الصحفية الزائفة، فقد ذكرت صحيفة «دي فيلت» الألمانية أن الروس يمثلون نسبة كبيرة من المهاجرين الذين يعارضون التدفق الحالي للاجئين. واتهم سياسيون ألمان في الآونة الأخيرة وسائل الإعلام الرسمية الروسية بنشر صورة مزيفة عمداً عن كيفية معاملة البلاد للاجئين. ويؤكد المحلل السياسي آدم تايلور أن عملية اغتصاب مزعومة لفتاة صغيرة تصدرت عناوين الصحف ولكن في روسيا بشكل خاص. وأعلنت السلطات الألمانية في وقت لاحق أن القصة ملفقة. فهناك عدد كبير من الروس المقيمين في ألمانيا ما زالوا يستقون معلوماتهم من وسائل الإعلام الروسية، وينظمون بين الحين والآخر احتجاجات أمام مكتب المستشارة الألمانية في برلين على سبيل المثال. وتتهم السلطات الألمانية روسيا بتزييف التغطية والتحريض على إذكاء التوترات داخل ألمانيا. وفي هذا السياق ذكرت صحيفة «سود دويتشه تسايتونج» اليومية الألمانية، التي تحظى بمصداقية كبيرة، أن الحكومة الألمانية أطلقت تحقيقاً في الموضوع بعد أن اتهمت وكالة الاستخبارات الألمانية «بي. إن. دي» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإلقاء «بذور الشقاق في أوروبا بالسعي لإضعاف ألمانيا وأنجيلا ميركل» بحسب تقرير الصحيفة. وبدورها تؤكد كريستيانا فيرتز، نائبة المتحدث باسم الحكومة الاتحادية الألمانية أن السلطات «تراقب عن كثب التصاعد الحالي في نشاط وسائل الإعلام الروسية».
*صحفي متخصص في الشؤون الأوروبية
مركز الشرق العربي