لندن – لوحظ مؤخرا أن الإدارة الأميركية قد تحركت بشكل حيوي في الشرق الأوسط على نحو يقلب السياسة الرمادية التي كانت قد انتهجتها في السنوات الأخيرة. ورغم عدم وضوح الإجراءات التي اتخذتها واشنطن، إلا أن خبراء السياسة الخارجية يعكفون على دراسة السياسات المعتمدة في شؤون دول المنطقة.
ويرى الدكتور خطار أبودياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، أن “ليس هناك انسحاب أميركي من المنطقة بل مواصلة لدور واشنطن”. من جهته يؤكد الدكتور عصام إسكندر، وهو كاتب وباحث في السياسة الخارجية الأميركية، أن “واشنطن باقية في الشرق الأوسط ولكن بتموضع جديد”.
وكانت واشنطن قد رفضت ما صدر عن البرلمان العراقي من تصويب يوصي الحكومة في بغداد بطلب سحب الولايات المتحدة لقواتها العسكرية. وأكدت الإدارة الأميركية أنها باقية في العراق وأن لا خطط لديها للانسحاب من العراق.
واللافت أن قيام الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد اعتبر انقلابا في السياسة التي انتهجتها واشنطن مع النظام الإيراني منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979.
ولئن كانت لواشنطن مراحل توتّر مع طهران، إلا أن البيت الأبيض لطالما تجنب الصدام المباشر مع أهداف إيرانية، خصوصا وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما برح يردد أن لا خطط لديه لإسقاط النظام السياسي في إيران.
واعتبر الخبراء أن اغتيال سليماني في العراق وجّه رسالة إلى العراق نفسه كما كل الدول التي كان ينشط داخلها سليماني حول تبدّل التكتيكات المعتمدة لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويلفت مراقبون إلى توقيت إعلان ترامب عن خطة إدارته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بصفتها خلفية استراتيجية للخطة الجديدة التي تعتمدها واشنطن في الشرق الأوسط.
ويقول المراقبون إن الخطة التي أطلق عليها اسم “صفقة القرن” تتناقض في انحيازها لإسرائيل مع الجهود الأميركية لقيام تحالف إقليمي ضد إيران. ويلاحظون أيضا أن الضغوط التي مارستها واشنطن على السودان من حيث اشتراطها اجتماع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كمقدمة لرفع السودان عن لوائح الإرهاب، تمثل واجهة للموقع التي تريده واشنطن لإسرائيل في المنطقة وفق الرؤى الاستراتيجية الكبرى.
غير أن اللافت في السياسات الأميركية المستجدة هي تلك التي تم التعبير عنها إثر اندلاع الخلاف بين تركيا وروسيا بشأن شمال سوريا. فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن وقوف بلاده إلى جانب تركيا، فيما ذهب المبعوث الأميركي
إلى سوريا جيمس جيفري أبعد من ذلك واعتبر أن العمليات العسكرية التي تقوم بها روسيا في شمال سوريا
تمثل تحدّيا للوجود الأميركي في المنطقة. غير أن كثيرا من التحليلات تتحدث عن أن ما أكدته الولايات المتحدة مؤخرا من أنها باقية في الشرق الأوسط، يهدف إلى الانقلاب على سياسات انتهجتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لكنها تروم أيضا تبديد الانطباع الذي تركته بعض مواقف وتغريدات ترامب من أنه عازم على التخفيف من التواجد في المنطقة. وأكدت هذه التحليلات أن ما ذهب إليه بومبيو مؤخراً في خطابه أمام مؤتمر الأمن في ميونخ من انتقاد للصين وتحذير من خطرها، يفسر أيضا تنشيط واشنطن لحضورها الشرق أوسطي بصفته ضرورة استراتيجية أساسية لمواجهة الصين.
ويقر أبودياب بأن “مواجهة التمدد الصيني والروسي له أولوية لدى الإدارة الأميركية”، لكنه يلفت من ناحية أخرى إلى أن “الصين لا تريد القطيعة مع الولايات المتحدة”، وبالتالي ليس لديها خطط لمنافسة شرسة ضد الولايات المتحدة.
ويلفت المتحدث إلى أن ترامب هو ظاهرة فريدة يعمل وفق أجندة مختلفة وأنه “لا يمثل الدولة العميقة في الولايات المتحدة”.
ويرى إسكندر أن “أي تحرك أميركي في المنطقة يأخذ بعين الاعتبار دائما التواجد الصيني والروسي”، ويوضح بالمقابل أن “واشنطن تتبع استراتيجية ‘التعاون والصراع’ مع روسيا في سوريا وباقي المنطقة”.
ويسلط إسكندر المجهر على اغتيال سليماني بصفته مفصليا في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة ويرى أنه “بعد مقتل سليماني فإن المنطقة مرشحة للتوصل إلى اتفاق شامل أو الحرب أو استمرار سياسة الاستنزاف”.
ويتوقف الدكتور مصطفى أوزجان، وهو كاتب وصحافي تركي مختص بشؤون الشرق الأوسط، عند ما استجد في علاقات الولايات المتحدة وتركيا، ويقول إن “لدى واشنطن سياسة مغايرة لسياسة أنقرة في المنطقة”. ويشكك أوزجان في إمكانية أن تبدل السياسة الأميركية الودودة إزاء أنقرة من خيارات تركيا في العلاقة مع روسيا، ويؤكد في هذا الصدد أن “تركيا لا تستطيع التحرك بسهولة بسبب الاتفاقات التجارية والعسكرية مع روسيا”.
ويعتبر المراقبون أن نقطة ارتكاز السياسة الأميركية في المنطقة تكمن في العراق. ويرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي نجم القصاب أن “واشنطن كانت تراهن على عدم التوصل إلى اتفاق عراقي بشأن خروج القوات الأميركية”، وأنها حاليا تعول على حكومة محمد علاوي لإعادة التموضع داخل العراق، خصوصا، وفق ما يقول، إن “حكومة عادل عبدالمهدي كانت تميل إلى الجانب الإيراني على حساب الأميركي”.
في المقابل، لا يؤيد القصاب النظرية التي تقول إن الولايات المتحدة باقية في العراق، بل يرى أن “واشنطن غير متمسكة بشكل كبير بقواعدها في العراق” وأنها خففت من تواجدها فيه.
ويكشف أحمد أبودوح، مستشار صحيفة إندبندنت البريطانية، أن “هناك صراعا داخل الإدارة الأميركية في ما يخص الموقف من تركيا في سوريا”، غير أن الأمر يصبح أكثر وضوحا في العراق. ويرى أبودوح أن “العراق هو أهم مركز للصراع بين طهران وواشنطن ”، لافتا إلى أن واشنطن “تريد تحويل جدل قواتها في العراق إلى أزمة سياسية في البلاد”.
نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية