قال ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا امس الجمعة إنه يجب تحسين خطة إنسانية طرحتها روسيا لإغاثة ما يصل إلى 300 ألف مدني محاصرين في مدينة حلب السورية مقترحا أن تترك موسكو مسؤولية أي عملية إجلاء إلى الأمم المتحدة.
وقال دي ميستورا للصحافيين «ما أفهمه هو أن الروس مستعدون (لإدخال) تحسينات رئيسية».
وأضاف أن خبراء الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة يعرفون ما يفعلون ويتمتعون بالخبرة اللازمة.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن أليكسي بورودافكين سفير روسيا في مقر الأمم المتحدة في جنيف قوله إن موسكو «ستدرس بإمعان وتأخذ في الحسبان» مقترحات دي ميستورا مبعوث المنظمة الدولية إلى سوريا بشأن تحسين خطتها الإنسانية في حلب.
واعتبـرت الخـارجـية الأمريـكية دعـوة وزارة الدفـاع الروسـية وجيش النظـام السـوري للمدنيين في حـلب لمغـادرتها وكـذلك انسـحاب الـقوات المعارضـة من حلب قبل بدء الهجوم المشترك ضد المدينه هو طـلب استسلام لقوات المعـارضة ولا يتوافق مع روح ونـص قرار مجلس الأمن الـدولي 2254 والتفاهمـات الروسـية الأمـريكية.
وأضاف جون كيربي الناطق باسم الخارجية الأمريكية إن الموقف الأمريكي حول وجوب السماح للمساعدات الإنسانية بالدخول للمناطق السورية المحاصرة لم يتغير. وأن على روسيا والنظام السوري تطبيق المبادئ الأساسية التي تم الاتفاق عليها والتي تقرر الأمم المتحدة المناطق إنها بحاجة إلى المساعدة الضرورية لإنقاذ المدنيين المحاصرين الذين يعانون من شدة الحصار، وإنه يجب تسليم كل المؤن بما فيها الغذاء والأدوية فورا.
وأضاف «عوضا عن هذا الإنذار الروسي السوري المشترك بالمغادرة فإنه يجب السماح للمدنيين للبقاء في حلب في بيوتهم بأمان وتلقي المساعدات الإنسانية والتي وافق كل من روسيا والنظام السوري على تسليمها وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي. وإن ما يطلبه كل من النظام السوري وروسيا هو مجرد استسلام قوات المعارضة وإجبار المدنيين على إخلاء قسري لمدينة حلب. ولم تجر استشارتنا حول طلب الاستسلام والمغادرة لحلب وهذا يقلقنا بعمق».
ورأت فرنسا أمس الجمعة أن «الممرات الإنسانية» التي أقامها النظام السوري بعدما أعلنت عنها روسيا للسماح باخلاء الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب (شمال) لا تقدم «حلا مجديا» للوضع.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان نادال إن «القانون الدولي الإنساني يفرض إيصال المساعدة بصورة عاجلة» إلى السكان المحاصرين.
وأضاف أنه «في هذا الوضع، لا تقدم فرضية إقامة +ممرات إنسانية+ تتضمن الطلب من سكان حلب مغادرة المدينة، حلا مجديا للوضع».
وتابع أنه «يجب أن يكون بوسع سكان حلب البقاء في منازلهم بأمان والحصول على كل المساعدة التي يحتاجون إليها، هذه هي الأولوية».
وحذر وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير من «كارثة إنسانية مفزعة» في مدينة حلب السورية المحاصرة.
وقال امس الجمعة في برلين «مئات الآلاف من المواطنين في حلب انقطعت عنهم كل أنواع الإمداد. الوضع الإنساني كارثي».
وأضاف شتاينماير «من يتسبب مثل النظام السوري في الأزمة عبر القصف الشامل ويقدم في الوقت نفسه طرق فرار غير آمنة فإنه يلعب لعبة ساخرة ويضع المواطنين أمام خيار عديم الرحمة ويغلق الباب أمام أي فرصة لاستئناف مفاوضات جنيف».
وحمل روسيا جزءا خاصا من المسؤولية عن هذا الوضع العصيب في حلب جراء دعمها للجيش والسلاح الجوي السوري، مناشدا موسكو ممارسة نفوذها على النظام السوري لفرض هدنة في حلب والتعاون مع الأمم المتحدة وتسهيل دخول الإمدادات إلى المواطنين في حلب بالتعاون مع المنظمات الإغاثية الدولية.
وقال شتاينماير «نحن بحاجة إلى إنهاء العنف والعودة إلى مائدة المفاوضات».
ويلازم سكان الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب بشمال سوريا منازلهم الجمعة نتيجة القصف العنيف الذي تتعرض له مناطقهم وفي ظل تحذير الفصائل المقاتلة من خطورة سلوك المعابر الإنسانية التي قرر النظام فتحها أمام المدنيين الراغبين بالمغادرة، والتي وصفتها المعارضة بـ»ممرات الموت».
وعلى رغم إعلان النظام وروسيا فتح أربعة معابر إنسانية لخروج المدنيين من الأحياء الشرقية، خلت الشوارع امس الجمعة من المارة إذ لزم السكان منازلهم خوفا من القصف وتوقفت المولدات الكهربائية في عدد من الأحياء بسبب نفاد الوقود.
وفتحت قوات النظام السوري المعابر الخميس بعد إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بدء «عملية إنسانية واسعة النطاق» في حلب.
وطالبت قوات النظام سكان هذه الأحياء الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بنحو 250 الف شخص بالخروج، ومقاتلي المعارضة بتسليم سلاحهم تزامنا مع إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوما تشريعيا يقضي بمنح العفو «لكل من حمل السلاح» وبادر إلى تسليم نفسه خلال مدة ثلاثة أشهر.
«ممرات الموت»
وتشكك المعارضة السورية ومنظمات حقوقية ومحللون في نوايا النظام السوري وحليفته روسيا، في ظل الحصار الكامل المفروض على الأحياء الشرقية منذ الـ17 من الشهر الحالي واستمرار القصف بوتيرة يومية.
وبحسب عبد الرحمن «يريد الروس والنظام من خلال فتح المعابر الإنسانية الإيحاء بأنهم يريدون حماية المدنيين لكنهم يستمرون في المقلب الآخر في قصفهم للأحياء الشرقية».
وتشهد مدينة حلب منذ صيف العام 2012 معارك مستمرة وتبادلا للقصف بين الفصائل المقاتلة التي تسيطر على الأحياء الشرقية وقوات النظام التي تسيطر على الأحياء الغربية.
وقال عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد رمضان «ليس هناك أي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت».
وأضاف عبر الهاتف «نعتبر الإعلان الروسي ومطالبة المدنيين بمغادرة مدينتهم جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وهو ما يتنافى مع التزامات روسيا كعضو دائم في مجلس الامن» مشددا على أنه لا يحق «لدولة أن تغزو بلدا آخر وتطالب سكان مدينة كحلب بمغادرتها دون أن يكون هناك ما يبرر ذلك».
وكان المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطراف واسعة في المعارضة السورية رياض حجاب وجه امس رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ندد فيها بـ»بتغيير ديموغرافي وتهجير قسري» في حلب.
وأعلنت المعارضة وفق رمضان حلب «مدينة منكوبة» في ظل «مخطط يشارك فيه الطيران الروسي والحرس الثوري الإيراني لتهجير الأهالي من مدينتهم» مضيفا أن ما يجري «تدمير كامل ومنهجي للمدينة على سكانها سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين».
وتتهم المعارضة والفصائل قوات النظام باستخدام سياسة الحصار لتجويع المناطق الخارجة عن سيطرتها وإخضاعها، بهدف دفع مقاتليها إلى تسليم سلاحهم.
«معضلة وجودية»
ويقول مصدر دبلوماسي غربي «الروس والنظام يريدون دفع الناس إلى تسليم أنفسهم» مضيفا «ما يريدونه هو الاستسلام وتكرار ما حدث في حمص» العام 2014 حين تمّ اخراج نحو الفي مقاتل من المدينة القديمة بعد عامين من الحصار المحكم والقصف شبه اليومي من قوات النظام.
ويرى مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار في تصريحات لوكالة فرانس برس أن «سكان حلب يواجهون معضلة وجودية رهيبة، إذ غالبا ما يضطرون إلى الاختيار بين خطري الموت جوعا أو خلال فرارهم».
وفي غياب أي وقف حقيقي للقتال، يشير بيطار إلى أن «علامات استفهام كبرى تُطرح عما إذا كان ما يسمى بالممرات الإنسانية سيجعل عمليا المدنيين بمنأى عن الأذى». ويضيف «سكان حلب في محنة ويعيشون حالة من انعدام الثقة وهو أمر مفهوم بعدما أثبتت المأساة السورية أن الجانب الإنساني غالبا ما يوظف كخدعة لتعزيز مصالح جيوسياسية».
ويسأل «إذا كان الهدف فعلا حماية سكان حلب فلماذا لا يسمح لعمال الإغاثة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول بشكل كاف إلى المدنيين الذين هم بحاجة ماسة إلى المساعدة».
وفي سياق متصل، شددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان الخميس على «وجوب حماية» من يقرر البقاء في الأحياء الشرقية مطالبة الأطراف كافة بالسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إليهم وتقييم احتياجاتهم.
ويجمع محللون على أن خسارة الفصائل المقاتلة لمدينة حلب سيشكل ضربة قاسية للمعارضة.
ويقول بيطار «سقوط حلب يعني أن الاسد وبوتين حققا أحد أهدافهما الرئيسية واستعادا اليد الطـولى» في سـوريا.