تقع “العدلية” جغرافياً وسياسياً على خط التماس. يعرف من اختار ان يخوض “معركة” في وجه قاضي التحقيق في قضية تفجير المرفأ طارق البيطار هذه الحقيقة جيداً. يعرف أن الهجوم على العدالة، لا بدّ أن يمرّ بخطوط التماس كلها، ولا بدّ أن يؤدي إلى الفتنة، الفتنة نفسها التي يتهم القاضي بيطار بالعمل عليها عبر تحقيقاته.
يعرف “حزب الله” وتعرف حركة “أمل”، وتعرف القوى الأمنية، وتعرف “القوات اللبنانية” ان منطقة الطيونة- بدارو- سامي الصلح- طريق صيدا القديمة – الشياح- عين الرمانة، هي منطقة حساسية طائفية عالية. وهي منطقة مرّت فيها بوسطة عين الرمانة. يعرفون ذلك جيداً.
يعرف “حزب الله” وحركة “أمل” ان تجمّع شبّان يهتفون “شيعة شيعة شيعة” في منطقة تجمّع فيها في الليلة السابقة شبّان لرفع صلبان ضخمة هو كوضع شمعة مشتعلة إلى جانب خزّان بنزين. تعرف القوات اللبنانية ان نشر قناصين على السطوح في منطقة تجمّع مناصرين “أمل” و”حزب الله”، هو كوضع مفرقعات في مستودع مع نيترات الأمونيوم. يعرفون جميعاً هذه الحقائق. ومع ذلك، وعلى غرار ما حدث في المرفأ، لم يفعلوا شيئاً، بل استمروا في تقريب النار من مصدر الإنفجار، بغية تطيير التحقيق في تفجير المرفأ.
ما حدث لم يكن صدفة. لا يخرج المسلّحون إلى الحرب صدفة. لا يهتفون للحرب صدفة. ولا ينادون بالدم صدفة. لا يحدث أي من هذا صدفة.
إذا كان تخزين الأمونيوم وانفجاره قد يحملان فرضيات الاهمال و”القصد الاحتمالي” كما أسماه القاضي بيطار في نص مذكرة التوقيف الغيابية التي صدرت في حق الوزير السابق والنائب علي حسن خليل، فإن القصد، في حالة الهجوم المسلّح بالشعارات الطائفية والسلاح الظاهر على التحقيق وحرق صور قاض لبناني أمام قصر العدل، يحمل ايضاً احتمال العلم بالنتائج والعواقب، ويحدث بالتكافل والتضامن بين مكوّنات السلطة، فتلاقي القوات “حزب الله” على “المفرق”.
فالدعوة إلى التظاهرة في هذا التوقيت وبهذه الطريقة، وبهذه الشعارات، وباختيار المكان، تحمل دائماً توقع حصول عنف واحتراب وفتنة، وقبولاً بالمخاطرة بذلك. كما أنها تحمل وعياً كاملاً لنتيجة الفعل، كأثر محتمل للسلوك الذي تقوم به الجهة الداعية إلى التظاهرة، وهي راغبة سلفاً في تحقيق “القصد الاحتمالي” لتلك النتيجة: إنهاء التحقيق وتطيير القاضي بيطار.
يملك “حزب الله”، ومعه حركة “أمل”، وحلفاؤهما جميع المفاصل الأساسية في السلطة. يسيطرون على الحكومة. لديهم رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب. معهم نادي رؤساء الحكومات السابقين. معهم الطوائف على أشكالها. ومعهم السلاح. ومع ذلك يشعرون بأنهم مستهدفون. لم يذكر القاضي بيطار لا من قريب ولا من بعيد اي مسؤولية لـ”حزب الله” في تفجير المرفأ. ومع ذلك، يشن عليه الحزب هجوماً غير مسبوق على مختلف الصعد، الاعلامية، الشعبية، وحتى الحربية، ويحمّله مسؤولية الدم قبل وقوعه، لا على طريقة ليلى عبد اللطيف، بل على طريقة “التربية” القديمة: يصفع الأب ابنه استباقياً بلا سبب، حتى لا يفكر بارتكاب أي خطأ في المستقبل.
هي صفعة دموية استباقية من “حزب الله” للعدالة، حتى لا يفكّر القاضي بيطار باستكمال ما بدأه، وإلا فإن دماً كثيراً سيسيل في المستقبل. وما كان للحزب أن يحقق هذه المعادلة، لو لم يجد من يلاقيه على خطوط التماس في “الحرب الأهلية” المنشودة. فالقنّاصون على السطوح أكملوا المشهد المرتجى، وأطلقوا النار من بنادقهم على رأس العدالة.
فيما يرسي “حزب الله” معادلة الأمن مقابل التحقيق: ثمن العدالة سيكون الحرب، ثمن الأمن سيكون العدالة. وللقاضي بيطار وأهالي الضحايا، العالقون بين النارين، “حرية الاختيار”، فنحن في بلاد ديمقراطية، تسمح بالرأي والرأي الآخر. تسمح بالسلاح المتفلّت في الشوارع وبالقناصين على سطوح البنايات. والأهم أنها ديمقراطية توافقية، تستند إلى قاعدة الـ”ستة وستة مكرر”، القادرة على نسف اي نَفَسٍ استقلالي مدني أو لا عنفي. لا صوت يعلو فوق صوت الطوائف التي تزغرد بالرصاص للحرب والدماء، فتكتم أنفاس العدالة التي تختنق، مع الضحايا، تحت الركام.
نقلا عن وكالة درج
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع