ترفض المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلنتون أن تُنتخب بصفتها امرأة بل بصفتها إنسان سياسي له خبرة طويلة في هذا المجال، وله قدرة على أخذ أميركا نحو الرفاه الاقتصادي وعلاقات سياسية خارجية ناجحة.
ورغم محاولات هيلاري لإبعاد شبهة النسوية عن حملتها الانتخابية، فإن ذلك غير قابل للتحصيل لأنها أصبحت بعد فوزها بترشيح الحزب الديمقراطي أول امرأة ترشح لمنصب رئيس الدولة في تاريخ أميركا، بمعنى أن فرديتها التاريخية هذه هي من جعلت التركيز على الجندر السياسي أحد أهم أركان الإعلام في الانتخابات، خصوصاً بعد أن صرح ترامب في أحد لقاءاته العامة بأن هيلاري “لم تكن لتحظى بكل هذا الدعم لو لم تكن امرأة”.
في الوقت ذاته تسعى هيلاري من خلال خطاباتها أن تكون حيادية جداً في موضوع الجندر، أو التعامل مع السياسة وفق هذا المفهوم، الذي نراه متجسداً في انتخابات سنة 2008 والتمهيد لها عندما قالت هيلاري عنها وعن صراعها للرئاسة ضد المرشح ضدها حينها الرئيس أوباما: “كانت حملة الانتخابات الرئاسية التمهيدية تاريخية بسبب عرقه وجنسي”، حيث كان التركيز على كونها امرأة أكثر من الآن بكثير بعد أن تخطت بنجاح 20 انتخاباً تمهيدياً ومؤتمراً حزبياً وحوالي 1900 مندوب لأول مرة في تاريخ أميركا.
هيلاري التي بدأت حياتها بدعم الطفل والمرأة من خلال مختلف جمعيات المجتمع المدني أثناء دراستها الجامعية، تسعى اليوم إلى ضمان حقوق المرأة كما تدعم حقوق كبار السن وحقوق المواطن دون أي تمييز يذكر، متجاوزة بذلك الهيئة السابقة التي اعتمدتها للنجاح والفوز في الانتخابات بعد أن استقطبت أصوات النساء والداعمين للنسوية بشكل لافت للنظر، لكن لا يمنع كل هذا من أن الفعل العام يتوجه نحو تأنيث السياسة في أميركا، فهل يمكن إبعاد شبح الجندر بهذه السهولة عن الانتخابات والإنجازات الرئاسية اللاحقة؟ وهل الجندر والتميز الجنسي شبهة عندما يتعلق الموضوع بمنصب رئاسي؟
بتصوري لا يمكن إبعاد مفهوم الجندر عن الصراعات المنصبية لأن الموضوع قائم لا محالة، وإفساح المجال للمرأة للعب دور أكبر ضمن السياسة الأميركية كبادرة أولى من نوعها لا يجعل من نوعها الجندري حالة غير موجودة، بل هي موجودة بقوة لكن هيلاري تحاول تجاوزها بذكاء وفق مقاربتها بعقليتها وفعلها السياسي في المقابل، وبطبيعة الحال لا تريد أن ترشح للرئاسة وفق هذه الصيغة الضيقة فيكون نجاحها هو إنكار لخبرتها السياسية في ذات الوقت.
بشكل أكيد فإن أي امرأة من مناصرات الفنمنزم (الحركة النسوية) ستجد أن هكذا منصب سيكون خطوة ناجحة في تثبيت دعائم النسوية وما تطمح له أغلب النساء في تحقيق ذاتهن المترابطة فيما بينهن، وسط مجتمع ما زال ذكورياً إلى الآن رغم كل الإنجازات النسوية المتحققة.
لكن ما يمكن ملاحظته أن الكثير من النساء في دول العالم قد تقلدن مناصب رئاسية مثل: إيزابيل بيرون في الأرجنتين، وفيغديس فونبوغاتير في آيسلندا، وأنديرا غاندي في الهند وغيرها من الدول مثل باكستان وايرلندا وسويسرا وألمانيا، لكن وجودهن طال أم قصر، وسواءً كان فعالا للبلد أم لم يكن، هو لم يخرج خارج إطار السياسة الذكورية. بمعنى أن المضمون السياسي هو ذكوري لم يتغير نحو النسوية بتسلم المرأة رئاسة الدولة، أي لم يخضع لأي تغيير يذكر يساهم في تدعيم المفاهيم السياسية النسوية.
فالمرأة الرئيس اعتمدت ذات المادة السياسية الذكورية وطبقتها كما هي، فكانت السياسة الجديدة تحمل صورة أنثوية بمادة ذكوريّة، ليبقى العالم على ما هو عليه دون أي استراتيجية جديدة تخدم ليس فقط النسوية بل تخدم العالم بأن يخضع لقانون جديد نحو الأفضل بشكل متوازن لا تطرف فيه.
لا يمكن إنكار طول الطريق نحو تحقيق هذا الهدف إذا ما علمنا أن المساواة بين الجنسين غير متحققة على صعيد الراتب الشهري أو المنصب الوظيفي في أميركا، فكيف هو الحال بالنسبة إلى سياسة دولة بأكملها؟
لكن الإنكار المستمر من قبل المرأة الرئيس لم يجعل من السياسة ثنائية القطب بل جعلها أحادية بهيئة أو صورة مختلفة فحسب، لأن ما تصبو إليه أحياناً سياسة الدول الراغبة بالديموقراطية هي استخدام القشور للمحافظة بشكل أكبر على الباطن، وهذا أخيراً ما يجعلنا نتساءل: هل ستقدم هيلاري شيئاً لأميركا كما قدمت أميركا لها؟ وهي التي آمنت بالمبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الحلم الأميركي: “لا يهم من أنت ومن أين أتيت، إذا عملت جاهداً والتزمت بمبادئ اللعبة، فستحظى بفرصة لنيل حياة تليق بك وبعائلتك”.
هافينغتون بوست عربي