قارن الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، بين التدخل الروسي الأخير في سوريا، والتدخل الروسي في الشيشان، مشيرا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيفشل “في إعادة ترتيب البيت المسلم في سوريا، كما فشل في إنجاز ذلك في شمال القوقاز”، على حد قوله.
وتساءل رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن دوافع تدخل روسيا في سوريا، بالرغم من عدم تقارب الرئيس الروسي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال الفترة الأخيرة، إذ “تجاهل الأسد بوتين لخمسة أعوام مؤثراً التنقل بين العواصم الغربية بدلاً من التقارب معه، وحينما جاءت روسيا للتعامل مع الدين السوري تحققت أول زيارة إلى موسكو، وبالمثل، لم تكن سوريا في صميم اهتمامات روسيا إلى أن جاء الربيع العربي وقام الأسد حينها بسحق انتفاضة مدنية غير مسلحة في درعا”، بحسب قوله.
“العائلة“
واعتبر هيرست أن أحد أسباب ذلك أمر شخصي، إذ شهد عام 1999، الصعب في سوريا، صراعا بين أجنحة النخبة الحاكمة، التي تشعر فيها الدولة الروسية بأنها تتعرض لهزات شديدة.
وأشار الكاتب البريطاني إلى أن بوتين، الذي يوصف بأنه كائن من كائنات جهاز المخابرات السوفياتي الكيه جي بي، يدين بالفضل لارتقائه السريع لما يعرف بـ “العائلة”، وهي عبارة عن فريق كان تابعاً للرئيس ييلتسين وتشكل من النخب المتنفذة ومن مجموعة من الاقتصاديين الليبراليين، وهو الفريق الذي ظن بيل كلينتون بأنه يشكل مستقبل روسيا.
وتعرضت روسيا للصدمة، بعد أن كان لدى الولايات المتحدة خطة لإعادة تشكيل روسيا بحيث تصبح نسخة منها، إلا أن هذه الخطة جوبهت بمعارضة ليس من داخل الحزب الشيوعي وإنما من داخل أحشاء النظام نفسه الذي كانت واشنطن تدعمه وتدفع به إلى الأمام. لقد كاد بوتين ينتهي وتتحطم أحلامه بسبب فضيحة خسارة تعرضت لها بطرسبيرغ تكبدت بسببها مائة مليون دولار في صفقة مقايضة مواد غذائية مستوردة بمنتجات روسية من الخشب والنفط والمواد الخام.
وفي ذلك الحين كان بوتين بحاجة إلى أكثر من مجرد رعاية حتى يصبح معروفاً في زمن القلاقل والاضطرابات. كان بحاجة إلى ما هو أكبر من ذلك، إلى شيء مثل الحرب، وقد أتيحت له تلك الفرصة عندما شن مسلحون شيشان هجمات في داغستان وفي محيط موسكو، بحسب هيرست.
وتابع هيرست: “خسرت روسيا أولى حملاتها في الشيشان وسعت من أجل السلام، وفعلاً تحقق السلام، وإن لم يكن بالأمر اليسير. ولكن، ما لبث الزعيم الشيشاني أصلان ماسخادوف أن نضبت موارده المالية، وبدأ القادة الميدانيون الأفضل تمويلاً وتسليحاً والواقعون تحت تأثير الوهابية بقيادة الزعيم المنافس وأمير الحرب شامل باساييف في السيطرة. حتى بدأ الأجانب يتعرضون للخطف، وتفاقمت الأمور حتى وصلت إلى شن هجوم داخل داغستان وتعرضت روسيا لسلسلة من التفجيرات التي استهدفت شققا سكنية راح ضحيتها ما يزيد عن ثلاثمائة شخص“.
وتبنى بوتين في ذلك الحين الخطاب نفسه الذي يتبناه حاليا في سوريا، وهو مكافحة الإرهاب، إذ كان يصرخ: “سوف نتعقبهم في كل مكان، إذا وجدنا إرهابيين في المرحاض فسوف نقضي عليهم داخل المرحاض، وهذا كل ما في الأمر“.
وأوضح هيرست بقوله: “ليكن معلوماً أن الحرب التي أشعلها بوتين في عام 2000 لم تفارقه أبدا، إذ تدعي المخابرات العسكرية الروسية اليوم وجود 3 آلاف من مواطني روسيا الاتحادية و4 آلاف من مواطني المناطق التي بقيت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي يقاتلون الأسد في سوريا، وهذا يعني ما مجموعه 7 آلاف مقاتل على أهبة الاستعداد للعودة والقتال في شوارع موسكو“.
وقال هيرست إن بوتين: “حينما يرى تنظيم الدولة أو قوى المعارضة السورية فإنه يرىالعدو نفسه الذي تقاتله روسيا منذ ثلاثة عقود في شمال القوقاز وفي طاجاكستان في آسيا الوسطى“.
وأوضح هيرست أن بوتين “يقاتل أيضاً ضد الربيع العربي بكل الأشكال والوسائل المتاحة لديه، ولا عجب إذ ذاك أن يصدر عنه إطراء بحق زعيم الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في مصر وتعهد بدعمه، فهو في هذا الموقف ينطلق من مبدأ محاربة الربيع العربي نفسه“.
وأكد الكاتب البريطاني أن التدخل الروسي في سوريا سيطول وسيمتد، و”لا أدل على ذلك من التجمعات السكنية التي يجري إنشاؤها لعائلات الطيارين الروس في اللاذقية. فلم يعد من المجدي أن يعمل الطيار لدورة من ستة أسابيع ثم يعود إلى بلاده ليستبدل بغيره”، بحسب قوله.
واختتم هيرست بقوله إن “الغضب الشعبي أكبر من أن يوصف، ولا ينبغي أن يظن فلاديمير بوتين أن بإمكانه أن ينجح في إعادة ترتيب البيت المسلم في سوريا أكثر مما نجح في إنجاز ذلك في شمال القوقاز، ولو كان حكيماً فعلاً، فإن عليه أن يخطط من الآن لاستراتيجية الخروج بأمان“.
ترجمة عربي21