كان تخرج محمد نور حورية للتو من الجامعة عندما تحولت الانتفاضة في سوريا ضد بشار الأسد إلى حالة العنف، واضعا أحلامه جانبا في كلية الحقوق, قرر الشاب ذو ال18 عاما تكريس حياته لمساعدة أصدقائه من المواطنين في حلب.
تطوع في بداية الأمر في مكتب منظمة إغاثة صغيرة هناك, ولكن مع تزايد الهجمات بالبراميل المتفجرة التي تشنها الحكومة في المدينة, شعر بأنه بحاجة ليقوم بالمزيد. وسريعا, ارتدى القبعة البيضاء وانضم إلى برنامج الدفاع المدني. كان ذلك في شهر أغسطس 2013.
منذ ذلك الوقت, يخاطر محمد بحياته كل يوم تقريبا لمساعدة المواطنين. يقول محمد :” ليس لدينا أدوات أو معدات متطورة, ولكن باستطاعتنا تدبر الأمور بما لدينا من موارد متاحة في أيدينا. نذهب في الصباح الباكر, الذي عادة ما يكون وقت قصف المروحيات, ونتجه مباشرة إلى المناطق التي قصفت“.
ويضيف :” نبحث عن الناجين تحت الركام ونساعد الجرحى, في بعض الأحيان يستغرق الأمر ساعات, وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر أياما للبحث في منطقة واحدة فقط“.
الدفاع المدني, المعروف باسم جماعة القبعات البيضاء, هو مجموعة من المتطوعين العزل الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الناس في المناطق التي تعطلت فيها الخدمات العامة. عندما يتم إلقاء البراميل المتفجرة في مناطق المعارضة, فإنهم يسارعون للمباني التي قصفت . في حين يسارع الناس للخروج, فإنهم يرمون أنفسهم إلى الخطر لإنقاذ حياة أولئك المحاصرين تحت الرماد. وفقا لموقع القبعات البيضاء على الإنترنت, فإن المجموعة أنقذت حياة أكثر من 40800 شخص. يضيف محمد :” لقد صدمنا أنا وأخي إيهاب من أرقام القتلى والمصابين, وأردنا أن نقدم يد المساعدة”.
وهكذا قرروا الانضمام إلى المجموعة التي تعمل في الحي, الذي وفي ذلك الوقت كان يضرب يوميا ببرميل متفجر. استخدام الحكومة السورية للبراميل المتفجرة – وهي براميل معدنية مملوءة بالشظايا والمواد المتفجرة وتلقى عبر أبواب المروحيات, ومن ثم تتفجر عندما الارتطام بحيث يمكنها اسقاط مبنى مكون من سبعة طوابق- أدى إلى مقتل آلاف المدنيين في مناطق المعارضة. وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان, فإنه ما بين 20 أكتوبر 2012 و20 نوفمبر 2015, شنت قوات الأسد 42234 ضربة جوية, متسببة في مقتل 6889 مدني وجرح 35000 في المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة المعارضة في جميع أنحاء البلاد.
في كل مرة يغادر فيها محمد منزله, كما يقول, فإنه يتساءل فيما إذا كان ذلك آخر يوم له في الحياة. مع سقوط البراميل المتفجرة كل يوم, فإن الموت دائما قاب قوسين أو أدنى من الجميع. يقول محمد مستذكرا:” في يومنا الأول, ذهبنا مع الفريق إلى منطقة قصفت للتو ببرميل مفتجر. ولكن مع دخولنا إلى المبنى المهدم جزئيا, سمعنا أصوات أشخاص يصرخون في الخارج بأن المروحية عادت مرة أخرى“.
في خضم الفوضى, انفصل هو وأخوه لفترة وجيزة لا تتعدى الدقائق بصورة مرعبة لا تكاد تفارق ذاكرته منذ ذلك الحين, يقول محمد :” كنت أركض وأصرخ باسمه, على أمل أن أرى وجهه في حالة الفوضى التي سادت. لحسن الحظ, لم يصاب أي منا, ولكن هذه اللحظة لم تفارق ذاكرتي إلى الأبد“.
عمل محمد وإيهاب جنبا إلى جنب حتى العام الذي تلى ذلك, إلى أن جاء ذلك اليوم المشئوم في مارس 2014. تم استدعاء طاقمه للحضور إلى حي الحيدرية المكتظ. حيث تعرض لبرميل متفجر وكان المشهد عبارة عن مذبحة. قال محمد :” كان هناك ثلاثة سيارات تحترق مع وجود أشخاص داخلها.
ولكن عندما وصلوا, عادت المروحية, وتفرقوا للاختباء, ومرة أخرى, افترق هو وأخوه. وأضاف محمد :” لم نعرف أين يمكن أن نختبئ. ركضنا دون أي هدف. استغرق الأمر أقل من 40 ثانية, ووقع انفجار ضخم وألقاني على بعد أمتار”. وأصيب بشظية, كما قال.
يضيف :” بدأت أبحث عن إيهاب في كل مكان. ومع دخولي أكثر فأكثر في الدخان والغبار, رأيت زميل لي يترنح حاملا يده … ولكني تابعت البحث عن أخي, حتى وجدته ملقى على الأرض ومغطى بالدم والتراب. ولم يكن يستجيب على الإطلاق“.
قال محمد بأنه فقد الوعي واستيقظ على سرير المستشفى. “أخبرني أصدقائي في المستشفى بأن أخي ينتظرني في المنزل, ولكن عندما وصلت, رأيت جثة أخي مسجاة على الأرض ويحيط بها أفراد الأسرة وهم يبكون“. لقد شكل مقتل إيهاب صدمة كبيرة للأسرة, التي فقدت أخا آخر في العام الماضي. قال محمد بأن أخاه الأكبر, عبد الوهاب, وهو نجار, اختطف من قبل قوات الحكومة وأطلقت عليه النار بداية عام 2013 بعد أن أخبر رئيسه في العمل, وكان مخبرا, بأنه يدعم المعارضة.
بعد مقتل إيهاب, توسلت إليه أسرته بأن لا يعود إلى عمله مع الدفاع المدني. لأنهم لم يكونوا يريدون فقد ابن ثالث. كما طلب منه فريق الدفاع المدني بأن يأخذ وقتا للراحة يمضيه مع أسرته. قال محمد :” مقتل عبد الوهاب ومن ثم إيهاب جعلني أكثر تصميما”. حيث استمر بعمله وليس لديه أي خطة لترك سوريا.
يضيف :” لم أفكر قط في ترك حلب. أحب أسرتي. وأحب بلادي وشعبها. أتطلع لأرى سوريا الحديثة, كما أتطلع إلى الهدوء والاستقرار, وآمل أن يعود النازحون إلى بيوتهم“.
ترجمة : مركز الشرق العربي