كانت السعادة تغمر وجهه الوسيم حينما سمحت له أمه بالخروج للعب مع أقرانه من أبناء الحي، بعد انقضاء أكثر من عشرين يوما أمضاها حبيسا بين جدران المنزل، بسبب القصف المتواصل على المدينة, وماإن ساد السكون يومين متتاليين, بدأ”أحمد” يلح للخروج ومداعبة نسائم الصباح والاستمتاع بدفء الشمس التي لطالما اشتاق إليها جسده النحيل وعيناه الذابلتان. ارتدى ملابسه بجو من العجلة والفوضى وبكل ما يملكه من براءة الطفولة راح يهرول باتجاه باب الدار وهو مازال يرفع سرواله ويضم في قدميه حذاءه الصغير المهترء.
وبالرغم من أنها كانت منشغلة في تحضير طعام الفطور، كانت الأم تراقب حركات صغيرها وتبتسم لحاله وشغفه للخروج، وحين استوقفته ليتناول فطوره قبل أن يغادر هز برأسه ورفع حاجبيه رافضا, ودون أن يتكلم استل رغيف خبز من جانب المائدة وهرع خارجا.
ماإن مضت بضع دقائق حتى تعالت الأصوات بين القصف والصراخ، تلبدت السماء بالدخان، وراح الخطر يقتحم عالم”أحمد” الجميل لينذر بالموت والدمار.
انتهت الغارة وتكشف الدخان عن جسد صغير بجانبه رغيف خبز ملطخ بالدماء.
وبينما كان الصغير يصارع سكرات الموت رأى طيف إناث يحاولن إنقاذه, بعضهم يخلع عنه ثيابه وآخر يلملم أجزاءه فراح يخاطبهم قائلا:
دثروني وانزعوا عني عذابي
أنا من ضاع من عمري شبابي
وأمي بالباب تنتظر رجوعي
لن أعود بل سيطول غيابي
هناك في فضاء الكون أرقى
ألاقي السابقين من أصحابي
سأحكي لهم ماجرى في حينا
والنعاج تسقط في فك الذئاب
خرجت صبيحة ألهو وصحبي
ورغيف خبزي بطيات ثيابي
ضحكاتنا كانت تجوب الفضا
تعانق بعضها فوق السحاب
وإذ بالأشرار يقتحموا سمانا
نظرت حولي فلم أرى ألعابي
َعجبا سألت بأي ذنب أقتل؟
ماذا فعلت ليكون هذا عقابي
أنا من هدد أمنهم وأمانهم
أنا شر البلية ومصدر الإرهاب
أنامن أوقدت الحروب بحجته
أنا على طاولة الطغاةعودثقاب
ندى رشيد أوغلو