يبدو أن القيمة السياسية لـ3.5 مليون لاجئ في تركيا، من بينهم 3 ملايين سوري، آخذة في الارتفاع. ويمكن أن يبرز اللاجئون بوصفهم مجموعة حاسمة من الناخبين في الانتخابات التركية الثلاثة – البلدية والبرلمانية والرئاسية – في عام 2019. فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟
عبرت المجموعة الأولى من اللاجئين وعددهم 252 لاجئا الحدود السورية إلى تركيا هربا من الاضطرابات في 29 نيسان/ أبريل 2011. ووصل عددهم في نهاية عام 2012 إلى مائة وخمسين ألف لاجئ. وفي عام 2014 بلغ عددهم مليونا وتسعمائة ألف. ومنذ 29 أبريل 2016، حصل لاجئون على الحق في التقدم بطلب للحصول على الجنسية التركية، بعد أن أكملوا مدة الانتظار المقررة وهي خمس سنوات. وقد حصل 252 شخصا فقط على هذا الحق في العام الماضي، ولكن الرقم سيصل إلى 150،000 في نهاية عام 2017 و1.9 مليون في عام 2019. وإذا أخذنا في الحسبان اللاجئين من العراق ودول الشرق الأوسط الأخرى وأفريقيا، يمكن أن يتجاوز المجموع مليوني شخص.
تستلزم طلبات التجنيس موافقة مجلس الوزراء.ونظرا لنهج الحكومة المحتفي والمرحب باللاجئين حتى الآن، فمن غير المرجح أن تظهر مسألة موافقة مجلس الوزراء على أنها عقبة. ويمكن النظر إلى عدد من التدابير المتعلقة باللاجئين- من جمع بصماتهم، وإصدار بطاقات الهوية الحيوية، وتصاريح العمل، والإجراءات المتخذة لحل مشاكلهم في الرعاية الصحية والتعليم والإقامة – على أنها استعدادات للمواطنة. ومن شأن منح الجنسية للاجئين السوريين وغيرهم من اللاجئين زيادة عدد سكان تركيا البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة بنسبة 2،5٪ .
والسؤال المطروح هنا هل بإمكان اللاجئين التأثير في التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، التي تختم عملية انتقال تركيا من النظام البرلماني إلى نظام الرئاسة التنفيذية.أقرت التغييرات الدستورية التي مهدت الطريق أمام الرئيس رجب طيب أردوغان، لكنه ما يزال يحتاج إلى الفوز في الانتخابات لكي يتولى رسميا سلطات رئاسية موسعة.
أقرت التغييرات الدستورية في استفتاء 16 أبريل بأغلبية ضئيلة، حيث وافق عليها 51.41٪ من الناخبين أي 25.157.463 ناخب، ورفضها 48.59٪ أي 23.779.141 وفقا للأرقام الرسمية. وقد تعرضت نتيجة الاستفتاء للتشويه نتيجة الادعاءات بالتزوير، وتعهد حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيس، بعرض القضية على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولكن حتى الفرق الرسمي في عدد الأصوات بين معسكري “نعم” ولا” – أي قرابة 1.38 مليون صوت – يُظهر أن السوريين سوف يكتسبون أهمية كبرى في المرحلة المقبلة، إذا تجنسوا بالجنسية التركية.
وقد أدت النتيجة المتقاربة إلى إضفاء لون من الحماس على السياسة التركية، حيث قام كل من الطرفين بالفعل بدراسة استراتيجيات عام 2019. وفي هذه المرحلة الحرجة، فإن ظهور اللاجئين قوة انتخابية جديدة سيكون بلا شك موضوعا جاذبا للأحزاب السياسية، ومن المرجح أن يتراجع أي خطاب عدائي تجاه السوريين ، ويفسح الطريق أمام التعهدات الجذابة.
خلال المدة التي سبقت الاستفتاء، دفعت استطلاعات الرأي الحزب الحاكم إلى تكثيف الجهود إزاء المهاجرين الأتراك في أوروبا. وكان قرابة 1.325.000 من الأتراك المغتربين في جميع أنحاء العالم، ومن بينها 31 دولة أوروبية، قد أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء، مقابل 1.000.030 أدلوا بأصواتهم في الانتخابات العامة في 7 يونيو/ حزيران 2015. وبناء على هذه الأرقام، يبدو أن اللاجئين باتوا يمثلون الأهمية نفسها التي يمثلها الناخبون الأتراك المغتربون. ولا يوجد في أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، تجمع تركي أكبر من تجمع اللاجئين في تركيا.
ولا ينبغي استبعاد إمكانية اتخاذ إجراء حكومي خاص من أجل تجنيس اللاجئين بالجملة، لأن التنافس في انتخابات عام 2019 سيكون شرسا، ولن يتردد حزب العدالة والتنمية في لعب جميع الأوراق الرابحة المتاحة.
يبدو أن معسكر “لا” يأمل في أن يتجاوز 48.6٪ لإيقاف أردوغان، وهو شعور جديد على المشهد السياسي التركي. منذ عام 2002، عندما تولى حزب العدالة والتنمية سدة الحكم، فشل حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في الوصول إلى 30٪ حتى في الانتخابات العامة، مما يضعف الأمل في أن تُسقط المعارضة حزب العدالة والتنمية. وقد منع الإحباط العميق الذي أصاب اليسار الكثيرين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مما أعطى ميزة إضافية لحزب العدالة والتنمية. ولكن يبدو أن النتائج المقاربة للغاية في أبريل أعطت الأمل والدافع للمعارضة لانتخابات عام 2019. وقد أجرى زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، اتصالات مع زعماء الأحزاب الصغيرة في معسكر “لا” للإبقاء على المعسكر. ويأمل المصوتون بالرفض أن يساعدهم الاستفتاء على الفوز بأصوات الناخبين المترددين وإغلاق الطريق أمام انتخاب أردوغان في عام 2019.
في هذه العملية، يمكن أن يكون التصويت المحتمل للسوريين حاسما. ومن المؤكد أن حزب العدالة والتنمية سيحظى بتوقعات كبيرة من اللاجئين، على أمل جني ثمار سياسة “الباب المفتوح” منذ بداية الصراع الأهلي السوري. من جانبها ترى المعارضة أن محنة اللاجئين جاءت نتيجة لسياسة الحكومة تجاه سوريا.
ما يزال 10% فقط من السوريين يعيشون اليوم في مخيمات اللجوء، في حين ينتشر الباقون في جميع أنحاء تركيا، ويعيشون ظروفا صعبة. أما العاطلون عن العمل فدخلهم الوحيد هو 100 ليرة تركية (28 دولارا) شهريا يحصل عليها كل لاجئ من خلال بطاقات السحب الآلي. ويُعتقد أن المساعدة الاجتماعية أقامت جسرا بين حزب العدالة والتنمية واللاجئين، ولكن العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى من المرجح أن تؤثر في قوة تصويت اللاجئين، الذين يعانون من مشاكل لا حصر لها يوميا ويواجهون صعوبات التكيف، ويعيشون في مجموعات في المدن الكبيرة، وغالبا ما يقابلون بالرفض من السكان المحليين. وبالتالي، لا يمكن للمرء أن يقول بثقة إن تصويت اللاجئين سيذهب إلى الحزب الحاكم.
وبمجرد أن يصبح اللاجئون مواطنين أتراك ،فسيكون بمقدورهم لا التصويت فحسب بل الترشح للمناصب. ولن يكون من المستغرب أن ترشح الأحزاب السياسية مرشحين سوريين في الانتخابات المقبلة في مناطق مثل غازي عنتاب وكيليس وشانلي أورفا وأضنة وعثمانية وهاتاي وإسطنبول التي تعد موطنا لأكبر عدد من اللاجئين.
ترك برس