عربي21 – سوسن الصيود
نشرت مجلة “وايرد” الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن عمل الباحثين على معرفة ما إذا كان فيروس كوفيد-19 موسميا مثل الإنفلونزا، وما إذا كان للحرارة والرطوبة تأثير عليه.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن التوقعات المناخية في الوقت الراهن تغذي أملًا بأن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة بحلول فصل الصيف قد يكبح انتشار كوفيد-19. فمن خصائص الفيروسات ومسببات الأمراض التنفسية التأثر بارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، خاصة في مناطق العالم التي يكون فيها الطقس معتدلا. ولكن بالنسبة للفيروسات التاجية، لم تتوصل البحوث إلى اليوم إلى أدلة دامغة تثبت أن الفيروس سيتلاشى بحلول فصل الصيف، ليبقى ذلك مجرد أمل.
راجت منذ 23 نيسان/ أبريل أخبار تفيد بأنّ فيروس كورونا قد يكون “موسميا”، وذلك بعد كشف مستشار وزير الأمن الداخلي الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا، وليام برايان، عن بحث علمي جديد غير منشور أجري في المركز الوطني لتحليل الدفاع البيولوجي والتدابير المضادة داخل مختبر الأمن البيولوجي التابع للجيش، يفيد بأن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية وتعرض الفيروس لضوء الشمس يمكن أن يفقده القدرة على الانتقال والبقاء على الأسطح.
أشارت المجلة إلى أن درجات الحرارة والرطوبة العالية وأشعة الشمس تقترن بفصل الصيف. لكن التجارب أظهرت أنّ محاولة القضاء على الفيروس قد تمت في ظروف مختبرية مضبوطة. ومن جهته، توخى وليام برايان الحذر الكافي في حديث عن ذلك قائلا إنه “من غير المسؤول قول إن قدوم فصل الصيف سيقتل الفيروس بالكامل”.
قبل أسبوعين من هذا التصريح، نشرت لجنة من الأكاديمية الوطنية للعلوم “استشارة” أوضح من خلالها أعضاؤها أنه “على الرغم من أن الدراسات التجريبية تظهر وجود علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة ومستويات الرطوبة داخل المختبر مع تراجع قدرة كوفيد-19 على الصمود، إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر وتحدد معدلات انتقال العدوى بين البشر في ‘العالم الحقيقي'”.
ونقلت المجلة عن ديفيد ريلمان، وهو طبيب وأستاذ في كلية الطب بجامعة ستانفورد، أنه على الرغم من وجود بعض الأدلة التجريبية على أن الفيروس حساس تجاه الحرارة والرطوبة، إلى جانب بعض دراسات الرصد الطبيعي التي تبين أن معدلات الانتقال تختلف باختلاف درجات الحرارة والرطوبة في كل منطقة، إلا أنه لا توجد أدلة دامغة تؤكد إمكانية انخفاض حالات العدوى في الصيف.
وأشارت المجلة إلى أن اهتمام الناس بتأثير فصل الصيف على الفيروس يرجع إلى سبب بسيط، وهو أن الإجراءات التي تم اتخاذها على غرار التباعد الاجتماعي والإغلاق الكامل لم تكن ناجعة وتسببت في خسائر مادية ومعنوية. كما أن هذا الأمل منطقي، ذلك أنّ التهابات الجهاز التنفسي على غرار الإنفلونزا وبعض نزلات البرد تكون موسمية بالأساس.
وأضافت المجلة أنّ الباحثين تكهنوا بأن التغيرات في درجة الحرارة تؤثر على البروتينات والغشاء الخارجي. كما أن أسلوب حياة الأشخاص يتغير في فصل الصيف حيث يهوون منازلهم بشكل مستمر ويقضون وقتا أكثر تحت أشعة الشمس، ما يساهم في تحفيز إنتاج الفيتامين د وتعزيز الجهاز المناعي.
وقد يلعب الهواء الدافئ الرطب دورا في وقايتنا من العدوى، حيث يرطب طبقة المخاط الموجودة فوق الخلايا ويعزلها عن الفيروسات والجزيئات المجهرية.
ذكرت المجلة أن التأثير الموسمي للإنفلونزا وبعض أنواع نزلات البرد حقيقي، حيث يبلغ موسم الإنفلونزا ذروته خلال الأشهر الأكثر برودة في بلدان نصف الكرة الأرضية. لكن الأمر يختلف في الأماكن التي لا تمر عليها أشهر أو مواسم باردة. أما في المناطق المدارية، فتحدث عدوى الإنفلونزا على مدار السنة وقد يكون لهذا أيضًا تفسير بيئي.
بعبارة أخرى، تمنع الرطوبة القطرات الحاملة للفيروس من فقدان محتواها المائي، بدلاً من أن تصبح أخف وتطفو في الهواء نحو الممرات الأنفية، تسقط على الأسطح. وهناك بعض الدلائل على أن انتقال الأنفلونزا في المناطق المدارية يعتمد بشكل أقل على استنشاق الفيروس، وأكثر من ذلك على نقله من سطح إلى عيني الشخص أو أنفه أو فمه.
كما اتضح أن الفيروسات التاجية التي عرفها البشر موسمية أيضًا. في الشهر الماضي، قام باحث الأنفلونزا أرنولد مونتو من جامعة ميشيغان بتحليل بيانات من دراسة استمرت لمدة ثماني سنوات للعدوى التنفسية، لتقييم ما إذا كان لقاح الإنفلونزا السنوي يعمل على النحو المنشود. ووجد مونتو وفريقه أن أربعة فيروسات تاجية معروفة مسبقا كانت منتشرة خلال تلك السنوات. كما وجد أن هذه الفيروسات ظهرت في تشرين الثاني/ نوفمبر أو كانون الأول/ ديسمبر، وبلغت ذروتها في كانون الثاني/ يناير أو شباط/ فبراير، ثم اختفت بعد أيار/ مايو.
وأشارت المجلة إلى أن تلك الفيروسات التاجية تتكيف مع البشر وتتفاعل مع أجهزتهم المناعية لفترة طويلة. ولكن يبدو أن الفيروسات التي تعدّ جديدة على البشر لا تتبع هذه القاعدة الموسمية. من جهتها، قالت عالمة الأوبئة كيتلين ريفرز: “لقد شاهدنا فيما مضى مسببات الأمراض الجديدة تتصرف بشكل مختلف عما كانت عليه بعد ظهورها، كما أن لديها فرصة للانتقال بين البشر”.
يُذكر أن ظهور فيروس كورونا في سنة 2003 قد زاد من تعقيد الأمور، حيث انتشر عبر العالم في شباط/ فبراير ولكنه اختفى تمامًا بحلول حزيران/ يونيو. وقد ساهمت بعض التدابير الصارمة، على غرار الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، في اضمحلاله. ولكن اختفاءه قد يعزى أيضا إلى ارتفاع درجات الحرارة.
وتطرقت المجلة إلى دراسة نشرت في سنة 2011 من قبل باحثين في هونغ كونغ، وجدت أن الفيروس نجح في التفشي بشكل كبير في الأماكن الباردة والجافة. حتى نكون واضحين، إن فيروس كورونا لا يشبه فيروس 2003. وفي الواقع، يعتبر فيروس كوفيد-19 محيرا بطرق عديدة، بدءا من الأشخاص الذين يستهدفهم وصولا إلى نطاق المرض الذي يسببه وحتى مجموعة أعراضه.
على عكس السارس، ينتشر فيروس كورونا بشكل واسع في المناخات الاستوائية. كما أظهر بحث جديد أن فيروس كورونا قد يكون قويًا للغاية حتى في الظروف التي من شأنها أن تقتل الفيروسات الأخرى. أشرف عالم الأحياء الدقيقة تشاد جاي روي على العمل على هذا الموضوع في جامعتين ومختبرين حكوميين، حيث عُزل كوفيد-19 في “بيئة مجهدة جدًا لمسببات الأمراض”. وبعد مضي 30 دقيقة، كان فيروس كورونا المستجد أكثر مرونة وأكثر قدرة على الصمود من الفيروسات التاجية الأخرى. وبعد مرور 16 ساعة، بدا أن عينات الفيروس ما زالت قادرة على التسبب في العدوى.
ونوهت الصحيفة بأن بحث روي لا يحاكي ظروف العالم الواقعي. فقد خضع الفيروس للدراسة داخل مختبر عالي الاحتواء وفي الظلام الدامس. ولكن من خلال دراسة سلوك الفيروس في الهباء الجوي، قد يساعد ذلك في تحديد قابليته للانتقال، وهو شرط مسبق وضروري للتنبؤ بما إذا كان الفيروس موسميا. إن هذه الدراسة جزء من اللغز، ولكن يجب التعمّق في دراسات أخرى.
وبينت المجلة أنه في هذه المرحلة لا توجد دراسات قديمة يمكنها أن تتنبأ بكل ثقة بكيفية استجابة فيروس كورونا المستجد لتغير الفصول. وحتى في حال عدم ظهور إصابات جديدة بالفيروس في الأشهر القادمة، قد لا يكون ذلك دليلاً على أنه موسمي. بدلا من ذلك، يمكن أن يشير هذا إلى تأثير استراتيجية مناعة القطيع، أو إجراءات التباعد الاجتماعي الناجحة، أو بعض التأثيرات الأخرى التي لم يتم أخذها بعين الاعتبار بعد.
ونقلت المجلة عن عالم الأوبئة والأستاذ المساعد في مدرسة رولينز للصحة العامة بجامعة إيموري، روبرت بدنارتشيك، أننا “قد نشهد انخفاضا في ظهور حالات إصابة جديدة، ولكننا قد لا نشهد تراجعا كاملا. ومن المحتمل أن يعود الفيروس للظهور في الخريف”. لهذا السبب، سيكون أمامنا الكثير لنتعلمه، نظرا لارتفاع مستويات الرطوبة وبدء درجات الحرارة في الارتفاع. وسيمنحنا الصيف فرصة أخرى لإجراء دراسة وعيش تجربة طبيعية من شأنها أن تخبرنا بما سيأتي بعد ذلك.