يُعرف الشعب الصيني بأنه أكثر الشعوب تقديساً للعمل على وجه الأرض، ويشبه أيضا بأنه عبارة عن خلايا نمل لا تهدأ تشتغل ليلاً ونهاراً من أجل نهضتها الحضارية وان كانت الصين قد حققت معجزة اقتصادية في ظرف وجيز فليس ذلك مجرد صدفة إنما راجع لثقافة شعب يعتبر العمل عبادة.
كانت الصين إلى حدود الستينيات دولةً فقيرة تتقارب في ناتجها الوطني الخام مع المغرب، لكنها اليوم وصلت إلى ناتج وطني خام يصل إلى ١٢تريليون دولار أي ١٥ في المئة من حجم الاقتصاد العالمي ويعتبر ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة ومن المرجح أن تتجاوزه على المدى القريب حسب خبراء الاقتصاد، لكن هل يفرمل فيروس “كورونا” هذا المد الاقتصادي الصيني؟
افاد الخبير الاقتصادي الصيني “تشانغ جياوي” بأن خسائر الاقتصاد الصيني في بداية الربع الأول من العام ٢٠٢٠ بلغ 143مليار دولار اَي ما يعادل ١في المئة من الناتج الوطني الخام وهو رقم مرشح للارتفاع مع استمرار تفشي فيروس كورونا الذي وصل عدد المصابين به داخل الصين إلى حدود الساعة حوالي 72000مصاب مع تسجيل 1900حالة وفاة، ورغم التدابير الوقائية والعلاجية الصارمة التي قامت بها الصين إلا أن الفيروس مستمر في الانتشار وسُجِّلت حالة وفيات عديدة خارج الصين، كما ان منظمة الصحة العالمية قالت بأنه لا يمكن التنبؤ لأي حد يمكن ان يصل الفيروس.
العالم اليوم يعتبر دولة الصين منطقة منكوبة ومعزولة عن الجميع أو بالأحرى يجب عزلها وقد بدأت دولٌ في منع دخول المواطنين الصينيين إلى أراضيها وهذا من شأنه أن يصيب الاقتصاد الصيني في مقتل إذا عرفنا أن الاقتصاد الصيني اقتصادٌ دينامي يعتمد على الحركية والتنقل ميزته الأساسية هي التجارة وتعتبر الصين اول مصدر للبضائع في العالم، شركات الطيران العالمية هي أيضا لم تسلم من الأزمة حيث ألغت أغلبها رحلات كانت مبرمجة من والى الصين لتفادي الفيروس والحؤول دون وصوله إلى بلدانهم، وهنا سيتأثر القطاع السياحي الصيني الذي تناهز مداخيله 882مليار دولار سنويا.
منذ وصوله إلى رئاسة البيض الأبيض اعتبر دونالد ترمب ان الصين خطرٌ حقيقي يهدد سيادة الولاية المتحدة الامريكية على العالم، فأعلن عليها حرباً تجارية بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة الامريكية معتبرا ان الميزان التجاري غير متكافئ بين البلدين وان الصين تجني من وراءه اموالاً طائلة.
هذه الزيادات الجمركية الأمريكية على البضائع الصينية شكلت تأثيرا حقيقيا على الاقتصاد الصيني وإن أنكر مسؤولو هذا الأخير أي تأثير لكنه في الحقيقة تراجع بضع نقاط، ولم تتوقف الحرب الامريكية عند هذا الحد بل تجاوزه إلى دعوة دول حليفة للولايات المتحدة إلى إلغاء اتفاقيات تجارية مع الصين خصوصا في قطاع الاتصالات (شركة هواوي) معتبرة ان الصين تستخدمها لأغراض استخباراتية.
ولم يكد يهدأ هذا الصراع التجاري بين الصين وأمريكا بعد توقيع الاتفاق التجاري بين البلدين حتى ظهر فيروس “كورونا” مطلع العام الجاري لتخوض الصين معركة حقيقية أكبر من الصراع الأمريكي لمحاربة الفيروس الذي ينتشر بشكل متزايد، يعرف الجميع ان الطموح الصيني لا نهاية له، وفي طريقهم إلى تقوية اقتصادهم إلى هذا الحد أزاحوا دولًا كثيرا كانت تعتبر إمبراطوريات، وهم مصممون على الذهاب إلى ابعد الحدود لإزاحة الولايات المتحدة الامريكية عن عرش العالم في جميع المجالات، فالعقلية الصينية لا تؤمن بالفشل او التراجع، لكن في ظل انتشار هذا الفيروس القاتل الذي لا يوجد له لحد الان لقاح فعال للقضاء عليه.
يجوز لنا أن نتساءل أو نتخيل حتى ما مصير الاقتصاد الصيني إذا استمر الفيروس في الانتشار وحصد الضحايا إلى نهاية العام ٢٠٢٠، الجواب لن يكون صعباً ولا نحتاج إلى خبراء اقتصاديين لنقول ان الاقتصاد الصيني لن يموت لكن سيتوقف، وهناك دول أخرى ستتأثر بدرجات متفاوتة لكن الاقتصاد العالمي برمته سيتضرر.
الكاتب: التهامي رزوقي
نقلا عن: مدونات الجزيرة