في الوقت الذي توصلت فيه القوتان العظمتان، أميركا وروسيا، إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية في سوريا، سلط تقرير أصدرته الأمم المتحدة الضوء على مدى صعوبة تنفيذ الاتفاق فيما يتزايد اختلاف الرؤي بين القوى الكبرى التي تقوم بتوسيع دورها العسكري حول “المجموعات الإرهابية” ومن يمثل المعارضة السورية الشرعية.
وأعلن مسؤولون في وزارة الخارجية في الدولتين إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يستثني تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة النصرة” أو أية أشخاص أدرجهم مجلس الأمن الدولي تحت قائمة الإرهابيين.
هذه المجموعات ستظل عرضة للغارات الجوية الروسية الأمر الذي يهدد بجعل الاتفاق الوليد حبراً على ورق إذا نظرنا إلى تفسير موسكو لاتفاق “وقف الاعتداءات” وهو المصطلح التقني لوقف إطلاق النار الذي سيدخل حيز التنفيذ، السبت المقبل 27 فبراير/شباط الجاري، اعتباراً من منتصف الليل بتوقيت دمشق،
الاتفاق المشكوك في أمره كان يفترض أن يدخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، لكن تم تأخيره لأكثر من أسبوع لأن الأطراف المتصارعة استمرت في القتال بما في ذلك روسيا وتركيا.
دمشق من جانبها أعلنت الثلاثاء 23 فبراير/شباط 2016 “قبولها بوقف الأعمال القتالية” في البلاد، لكنها ركزت في البيان الذي أصدرته الخارجية قبولها بوقف الأعمال القتالية “على أساس استمرار الجهود العسكرية بمكافحة الاٍرهاب ضد داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها وبتنظيم القاعدة” الأمر يضفي المزيد من التعقيد على الاتفاق الذي يبدو أنه قد وُلد فاشلاً.
قبل ذلك، كان منسق الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، قد أعلن أمس أن فصائل المعارضة السورية المسلحة أبدت موافقة أولية على التوصل إلى هدنة مؤقتة بشروط.
الموافقة الأولية المشروطة للمعارضة السورية التي تنص على توافر ضمانات أممية على وقف القتال وفكّ الحصار، إضافة إلى اختلاف وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة بسوريا حول “المنظمات الإرهابية” التي لن يشملها القصف، قد يجعل من الاتفاق حبراً على ورق.
النظام السوري والمعارضة
المسؤولون في وزارة الخارجية السورية أكدوا أن دمشق ستتتفق مع موسكو على تحديد المناطق والجماعات المشمولة بوقف إطلاق النار.
كما أكدوا حقهم بالرد على أي خرق تقوم به المجموعات المسلحة ضد القوات الموالية للأسد، وشددوا على أهمية منعها من تعزيز قدراتها أو تغيير مواقعها، وذلك تفادياً لما قد يؤدي لتقويض الاتفاق.
بلورة المواقف
من جانبها، تستمر الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية في اجتماعاتها بالعاصمة السعودية، الرياض، لليوم الثاني على التوالي، لبحث الهدنة وبلورة موقفها المتكامل منها.
ويرى مسؤولون في المعارضة بعض الثغرات في الاتفاق، منها أن من المستحيل تحديد المواقع الخاضعة للفصيلين اللذين أقصاهما الاتفاق – “داعش” و”جبهة النصرة” – وأن الهدنة تنطوي على ثغرة كبيرة تتمثل في سماحها باستمرار الهجمات، بما في ذلك الضربات الجوية ضد “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الجماعات المتطرفة.
كما اعتبرت أن الاتفاق سيوفر الغطاء لرئيس النظام بشار الأسد وحلفائه الروس لمواصلة قصف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث يتداخل وجود مقاتلي المعارضة و”الجماعات المتطرفة”.
ترحيب دولي حذر
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن الاتفاق “خطوة حقيقية لوقف حمام الدم” في سوريا، مؤكداً أن بلاده ستفعل كل ما يلزم لكي تتقيد سوريا بالاتفاق، معرباً عن أمله أن تفعل أميركا الشيء نفسه مع فصائل المعارضة المسلحة.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، أفاد بأن بلاده وجّهت دعوة إلى جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق الذي أعلنته واشنطن وموسكو.
بريطانيا كانت أقل تفاؤلاً بنجاح الاتفاق عندما أعلن وزير خارجتها فيليب هاموند أن الاتفاق لن يكون ناجحاً ما لم تغير ورسيا وسوريا موقفيهما على الأرض بشكل ملحوظ.
وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في بيان إن “روسيا، على وجه الخصوص، يجب أن تحترم هذا الاتفاق عبر وقف هجماتها على المدنيين السوريين وجماعات المعارضة المعتدلة، واستخدام نفوذها من أجل ضمان أن يفعل النظام السوري الشيء نفسه”.
أما فرنسا فقد أعلنت أنها ستكون “يقظة جداً” لكي يطبق وقف إطلاق النار في سوريا.
ومن جانبه رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإعلان اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا واعتبره “بارقة أمل للشعب السوري”. وناشد بان “الأطراف المعنية احترامه”، مضيفاً أنه “يبقى هناك الكثير من العمل لتطبيقه”.
واعتبر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، إن “المرحلة القادمة، ستكون اختبارًا لجدية روسيا و النظام السوري، في تطبيق وقف إطلاق النار”.
واتهم داود أوغلو، روسيا وإيران والنظام السوري، بـ”عدم الالتزام حيال التوصيات التي خرجت بها محادثات السلام، التي جرت سابقا، حول وقف العنف في سوريا”.
وقال نائب رئيس وزراء تركيا في وقت سابق إن بلاده ترحب بوقف إطلاق النار في سوريا وتريد إنهاء القصف الروسي الذي يقتل المدنيين.
وكانت أميركا وروسيا قد أعلنتا في بيان مشترك بثّته وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين 22 فبراير/شباط 2016، أن اتفاقاً لوقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في سوريا في 27 فبراير/شباط الجاري اعتباراً من منتصف الليل بتوقيت دمشق.
وجاء في البيان: “إن وقف الأعمال العدائية سيطبق على الأطراف المشاركة في النزاع السوري التي أعلنت أنها ستحترم وستطبق بنود” الاتفاق.
ولدى هذه الأطراف مهلة حتى الساعة 12:00 (10:00 تغ) من يوم 26 فبراير/شباط لإبلاغ الولايات المتحدة أو روسيا بموافقتهما على هذا الاتفاق.
وتتشارك موسكو وواشنطن في رئاسة المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم 17 دولة.