(رويترز) – في الوقت الذي يتزايد فيه عدد اللاجئين السوريين المتكدسين الآن على حدود تركيا ليصل إلى عشرات الآلاف كثر اللغط حول محاولات من جانب أنقره لإبقاء أبوابها مغلقة بعد أن ظلت مفتوحة لفترة طويلة أمام الفارين من الحرب.
فقد أدى هجوم تشنه قوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا حول مدينة حلب إلى فرار أكثر من 30 ألفا إلى بوابة أونجو بينار على الحدود التركية في الأيام القليلة الماضية ويقول مسؤولون إن عشرات الآلاف غيرهم ربما كانوا في الطريق.
وخلق ذلك مفارقة مريرة بالنسبة لتركيا.
ورغم الإشادة بتركيا لاستقبالها أكثر من 2.5 مليون لاجئ من الحرب الأهلية الدائرة منذ خمس سنوات في سوريا فإنها تواجه ضغوطا لمنعهم من مواصلة الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا ولمنع العناصر المتشددة من التسلل عبر الحدود المليئة بالثغرات لتنفيذ هجمات سواء في تركيا نفسها أو في دول أخرى.
ومع ذلك تجد تركيا نفسها في مواجهة مطالب بالسماح لهؤلاء السوريين بالدخول إلى أراضيها رغم أنها تحاول إبقاء البوابات مغلقة في أونجو بينار وتقديم المساعدات لهم عبر الحدود.
وقال مسؤول حكومي كبير يتولى التعامل مع مشاكل الهجرة موضحا أن الوضع على الحدود تغير في السنوات الأخيرة “لدينا الآن اعتبارات أكبر بكثير… فهناك منظمات إرهابية لم تكن موجودة عندما بدأ الصراع السوري.”
وأضاف أن عددا متزايدا من اللاجئين لا يريد سوى استخدام تركيا كمعبر إلى أوروبا رغم الأخطار الأمر الذي يحمل تركيا مسؤولية منع حوادث غرق المراكب مثل حادثة غرق الطفل السوري في سبتمبر أيلول الماضي أثناء محاولة أسرته العبور إلى الجزر اليونانية. وكانت صورته قد هزت القلوب في جميع أنحاء العالم.
وقال “إذا سمحنا للجميع بالدخول سنشهد أيلان كردي آخر.”
وتتولى جماعات خيرية تركية توصيل الغذاء وغيره من الإمدادات إلى قرى الخيام على الجانب السوري من الحدود في مواجهة أونجو بينار وتقول السلطات المحلية إنه لا داعي لفتح البوابات حتى الآن. وكان الرئيس رجب طيب إردوغان قال إن تركيا ستسمح بدخول اللاجئين إذا اقتضت الضرورة.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يوم الثلاثاء إنه يرى إمكانية وصول 70 ألفا من اللاجئين إلى الحدود بين البلدين وإن تركيا لن تغلق البوابات الحدودية.
وتقول تركيا منذ فترة طويلة إن السبيل الوحيد المستدام لإدارة سيل اللاجئين هو إقامة “منطقة آمنة” داخل سوريا تتمتع بحماية دولية يمكن منح النازحين المدنيين الملاذ فيها دون الحاجة لعبور الحدود إلى الأراضي التركية.
ولم تكتسب هذه الفكرة تأييدا فيما بين القادة الغربيين الذين يرون أن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لها الأولوية القصوى ويخشون أن تضعهم حماية مثل هذه المنطقة في مواجهة عسكرية مباشرة مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن تركيا تنفذ هذه الفكرة على نطاق محدود في أونجو بينار.
وتم السماح لفتى مراهق جريح ووالده بالعبور سيرا على الأقدام صباح يوم الاثنين بينما نقلت بعض سيارات الإسعاف عددا من الحالات إلى مستشفيات في مدن تركية قريبة. لكن الحدود مغلقة تماما أمام الأغلبية العظمى.
وقال المسؤول الحكومي “ما لم تكن حياتهم معرضة للخطر وما لم يكن هناك خطر وشيك فالترتيبات القائمة على الجانب السوري تسعهم.”
* في انتظار دخول تركيا
وفي المخيمات عند باب السلامة على الجانب السوري حيث يلعب الأطفال في حارات أرضها طينية بين صفوف من الخيام يسفعها المطر بدأ البعض يتساءل عما إذا كانوا لا يزالون موضع ترحيب في بلد كانوا يرون فيه ملاذا مضمونا.
وقالت دليلة جمالي التي هربت من درعا في جنوب غرب سوريا قرب الحدود الأردنية “أنا هنا منذ شهر. انتظر أن تفتح تركيا الباب.”
وأضافت “لا يوجد سرير أو طعام ولا ملابس. اضطررنا للنوم في مناطق مبللة ولا شيء يغطينا. لا يوجد ما نطعم به الأطفال… كل ما نريده هو الدخول إلى تركيا.”
وبمقتضى اتفاق تم التوصل إليه في نوفمبر تشرين الثاني مع الاتحاد الأوروبي وافقت تركيا على بذل مزيد من الجهد لاستيعاب اللاجئين الموجودين على أراضيها ويمثلون أكبر تجمع للاجئين في العالم ولمحاولة خفض عدد طالبي اللجوء الواصلين إلى أوروبا بعد أن تدفق أكثر من مليون على القارة الأوروبية عام 2015 كثيرون منهم سافروا بحرا عبر تركيا.
ويوم الاثنين غرق ما لا يقل عن 22 مهاجرا بعد أن انقلب مركبهم في بحر إيجه قبالة الساحل التركي فيما يشير إلى استمرار موجة المهاجرين.
وسئلت فديريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي يوم السبت عن المهاجرين في منطقة أونجو بينار فقالت إن تركيا عليها واجب أخلاقي وقانوني أن توفر لهم الحماية وأضافت أن دعم الاتحاد الأوروبي لأنقره يهدف إلى ضمان الوفاء باحتياجاتهم.
* شعور بالإحباط
وتشعر تركيا عضو حلف شمال الأطلسي التي تشترك مع سوريا في حدود طولها 900 كيلومتر بإحباط متزايد لعدم بذل المجتمع الدولي المزيد لوقف قصف القوات السورية والقوات المتحالفة معها بما فيها روسيا والذي ترى أنه السبب الرئيسي في موجة الهجرة.
وقال يلجين أقدوغان نائب رئيس الوزراء وهو من قدامى مستشاري إردوغان “من لا يستطيعون أن يقولوا أوقفوا القصف يقولون أوقفوا موجة الهجرة. إذا كنتم جادين أوقفوا أصحاب هذه القسوة.”
ومما سلط الضوء على المخاطر تفجير انتحاري شهدته اسطنبول الشهر الماضي سقط فيه عشرة سائحين ألمان قتلى ونفذه سوري مولود في السعودية دخل تركيا باعتباره لاجئا.
وحول أونجو بينار أقيمت ثمانية مخيمات على الجانب السوري تسع نحو 60 ألف شخص حتى قبل التدفق الأخير وذلك وفقا لما ذكره محافظها سليمان تابسيز. ويجري بناء مخيم تاسع.
وقال مسؤول ثان بالحكومة التركية “ثمة اعتقاد أن تركيا أغلقت أبوابها ولا تفعل شيئا. على العكس تبذل جهود كبرى لاستيعاب هؤلاء الناس على الجانب السوري.”
وأضاف “ليس الأمر كأننا نغلق الباب في وجوههم.”
وكان علم للجيش السوري الحر المعارض يرفرف على طريق يؤدي من أحد المخيمات عند باب السلامة إلى بلدة إعزاز السورية التي تعد من آخر المدن في طريق تقدم الجيش السوري صوب الحدود التركية. وشوهد بعض مقاتلي المعارضة يتحركون على مقربة وهم مسلحون ببنادق الكلاشنيكوف.
وقالت صباح المحمد وهي امرأة مسنة إنها سارت على قدميها عشر ساعات للوصول إلى الحدود.
وأضافت “هربت من قصف الأسد وقصف روسيا. من فضلكم قولوا لهم أن يفتحوا الأبواب حتى يمكننا الانتقال إلى الأمان. فلا أمان لنا هنا.
“أحلف بالله لا نريد الذهاب إلى أوروبا. لا نريد أوروبا. نحن شعب مسلم ونريد العيش في بلد مسلم.”