وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنه ربما يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استغرق إنهاء القتال فيها مدة أطول، وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أميركي كبير عن خيار تقسيم سوريا، حيث دأبت واشنطن على تأكيد ضرورة المحافظة على سوريا ديمقراطية علمانية موحدة.
كما ألمحت روسيا من خلال سيرغي ريابكوف نائب وزير خارجيتها إلى أنها لن تقف ضد فكرة إنشاء دولة فدرالية في سوريا، معربا عن أمله في أن يتوصل المشاركون في المفاوضات إلى ذلك.
وأضاف أنه “لا بد من وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا في المستقبل تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد بما في ذلك إنشاء جمهورية فدرالية خلال المفاوضات”.
أثارت هذه التصريحات موجات رفض من قبل أغلب السوريين الذين يرون فيها خطوة باتجاه تمزيق بلادهم، وتحويلها إلى كانتوتات هشة تحمل في داخلها بذور شقاق ستؤدي إلى سفك الدماء، خاصة أن الطرح الدولي يقوم على تقسيم البلاد لدويلات مذهبية وعرقية، بحيث تصبح للعلويين دولة في الساحل، وللأكراد دولة شمال سوريا، إضافة إلى إقليم للدروز، في حين يصبح وسط وجنوب وشرق سوريا الذي يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة منه دولة للسنة الذين يمثلونالأغلبية في البلاد.
خطة روسية أميركية
ويرى الأكاديمي والكاتب السوري محمود الحمزة أن تصريحات كيري وريابكوف تشير إلى إمكانية تقسيم سوريا، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن “التقسيم مطروح، ولكن كحل اضطراري نهائي وعلى شكل فدرالي”، معربا عن اعتقاده بأن هناك تفاهما مبدئيا بين موسكو وواشنطن على مصير سوريا يتضمن رحيل الرئيس بشار الأسد وأركان حكمه، وإبقاء مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية على أن تتولى الحكم “شخصية قوية تضمن مصالح أميركا وروسيا”.
وأشار الأكاديمي المقيم في موسكو إلى أن الروس والأميركيين بصدد فرض خطتهم على السوريين من خلال مفاوضات جنيف3 المقبلة، لافتا إلى أن التقسيم -إن تم- سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد.
ودعا السوريين إلى رفض هذه الأفكار والتشبث بوحدة بلدهم أرضا وشعبا من دون الأسد والمحتلين والمتطرفين، وفق تعبيره.
من جهته، لا يستعبد الناطق باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية رياض نعسان وجود مخطط روسي أميركي لتقسيم سوريا شبيه بالاتفاق الفرنسي الإنجليزي المعروف باتفاق سايكس بيكو الذي قسّم المشرق العربي الذي كان يخضع للإمبراطورية العثمانية قبل اضمحلالها قبل مائة عام.
وأضاف في حديث للجزيرة نت “ربما يتحمل العالم وزر تقسيم سوريا، ولكن الشعب السوري لن يتحمل هذا الوزر”.
ويرى مراقبون أن سوريا بطبيعتها الجغرافية وتداخل مكوناتها غير قابلة للقسمة وفق التصور الروسي الأميركي، إذ لا يستطيع أي مكون الانفصال عن غيره، خاصة أن الأقليات المذهبية والدينية والعرقية لا جغرافيا محددة لها، وليست لها أغلبية بشرية إلا في أماكن محدودة غير مؤهلة لأن تكون أقاليم مستقلة بذاتها.
وفي هذا الصدد يرى رئيس تحرير جريدة “كلنا سوريون” المعارضة بسام يوسف أن التقسيم ليس في مصلحة الشعب السوري، ويؤسس لصيغة تعمّق تفتيت المنطقة وإبقاءها في حيز الإضعاف والتهميش، مشيرا إلى أنه يخدم مصلحة أطراف أخرى في مقدمتها إسرائيل ودول كأميركا لها رؤاها ومصالحها الإستراتيجية.
وأعرب يوسف عن اعتقاده بأن تقسيم البلاد يصب في مصلحة نظام بشار الأسد، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن التقسيم “قادم ما لم يتصد له السوريون”.
ويرى يوسف أن سوريا غير قابلة للقسمة، ولكن مصالح الأطراف لن تهتم بذلك، لأن مصالح الشعب السوري خارج حساباتهم، ولأنهم يرون أنه أنهك للحد الذي يجعله يقبل بأي صيغة لوقف الحرب.
وأعرب عن اعتقاده بأن التقسيم سيزج بالسوريين في حروب تستهلك بلدهم لعقود طويلة، مضيفا أنه “مشروع لإشغال المنطقة وتكريس تبعيتها وارتهانها لأطراف أخرى”، لافتا إلى أن معركة فرضه على الشعب السوري “ربما تكون قاسية”.