أنشئ مجلس التعاون لدول الخليج العربية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1981، بهدف توحيد دول الخليج للدفاع عن نفسها بعد الثورة الإسلامية في إيران، والتي اشتكت دول الخليج منها بأنها تحمل تطلعاتٍ توسعيةً في أراضي هذه الدول وثرواتها.
وكانت الحرب العراقية الإيرانية قد بدأت عند نشأة المجلس. وفي الاجتماع العربي/ الإسلامي-الأميركي الذي عقد في الرياض في 21 من مايو/ أيار الماضي، تبين أن هناك خلافات عربية وإسلامية حول إيران، وطبيعة العلاقة التي تربط دول الخليج بها، فهل نبدأ نرى تفاوتاً في مواقف الأعضاء للأسباب نفسها التي أدت إلى إيجاده أصلاً، بعد مرور ما يقارب تسعة وثلاثين عاماً على تأسيسه.
منذ نشأة المجلس، برزت خلافات داخلية بشأن مشروعاتٍ كان على دول المجلس أن توقعها مع بعضها، أو توقعها مجتمعةً مع أطراف أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، أو اتفاقية التجارة الحرة الأميركية، وغيرها.
ومن أبرز تلك الخلافات كانت اتفاقية السوق الواحدة، والتي أطلقت في يناير/ كانون الثاني 2008، والتي اتفق بموجبها بين دول المجلس على تكامل أسواق دول الخليج في بعضها بعضا تكاملاً كاملاً. ولكن الأزمة العالمية عام 2008، والتي انعكست بآثارها على اقتصادات دول الخليج عام 2009 أدت إلى تأجيل ذلك المشروع.
أما إنشاء اتحاد جمركي، فقد اتفق عليه بعد 18 عاماً من تأسيس المجلس، وبدء تنفيذه عام 2003. فيما لم يبدأ إطلاق السوق المشتركة إلا عام 2015، حيث سمح لمواطني دول الخليج بالعمل في المؤسسات الحكومية والخاصة لدول بعضهم بعضا، وفي القطاعات المالية، خصوصا التي كانت حكراً لمواطني كل دولة على حدة داخل تلك الدولة.
أما فكرة العملة الواحدة، فقد قبلت بها البحرين والكويت وقطر والسعودية، واتفق على مبدأ إصدار عملة موحدة، في الوقت الذي تردّدت فيه كل من الإمارات وسلطنة عُمان في الدخول في هذا الاتفاق.
ومع تطور النقاش حول الموضوع وشروطه، بدأ الخلاف يدبّ حول اسم العملة الموحدة الجديدة، وشكلها وقيمتها، ويبدو أن الفكرة، بعد حوالي ثلاث سنوات، على إطلاقها قد وضعت في الأدراج.
وحصل خلاف قوي بين الدول الأعضاء بشأن توقيع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، بعد اتفاقها على توقيعها ككتلة. وقد أدى الخلاف السعودي الأوروبي بشأن إدخال منتجات السعودية من البتروكيماويات إلى الأسواق الأوروبية معفاة من الرسوم الجمركية إلى تأخر الاتفاق.
وبرز خلاف آخر، حين وقعت بعض الدول، مثل الإمارات العربية المتحدة، اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة بشكل منفرد، لكي تتجنب تأخير ذلك التوقيع، كما حصل في الحالة الأوروبية.
وأما الخلاف الآخر المهم فهو عدم اتفاق دول مجلس التعاون على إدخال المملكتين الآخريين في الوطن العربي، وهما الأردن والمغرب في عضوية المجلس. وقد قامت كل من سلطنة عُمان ودولة الإمارات بإبداء رأيهما المخالف رسمياً. أما الكويت التي رحبت رسمياً بالخطوة التي دعمتها المملكة العربية السعودية، فقد عارض عدد من الكتاب فيها انضمام الأردن بسبب موقفه من جيش الحلفاء الذي حرّر الكويت من العراق عام 1991.
وعلى الرغم من كل هذه الخلافات، وتنازع الرأي والمصالح، كانت الخلافات السياسية حاضرة أيضاً، فقد حصل خلاف مع قطر حول تعيين أمين عام لمجلس التعاون، عندما أصرّت كل دولةٍ على تعيين مرشح منها للمنصب، ولكن السعودية فازت آنذاك، وعين الأمين العام التالي من دولة قطر.
وكذلك، حصلت خلافاتٌ حول المواقف السياسية تجاه أحداث الربيع العربي، وما نتج عنه من صراعاتٍ وحروب أهلية داخل بعضها. فبينما تتوحد دول مجلس التعاون من ضرورة إنهاء الحرب في اليمن لصالح الحكومة الشرعية، إلا أن العلاقات مع إيران حول الموضوع تتباين.
فبعض الدول، مثل سلطنة عُمان، لا توافق الرأي على حتمية التصادم مع إيران. وترى السلطنة، بصفتها واقعة على بحر العرب وقريبة من ميناء هرمز، أن من مصلحتها مهادنة إيران، وكذلك ترى دولة قطر الرأي نفسه لأسباب مختلفة ، وتأخذ الكويت القريبة جدا من إيران وجنوب العراق موقفاً صامتاً محايداً.
وتتفق دول الخليج حول موقفها من سورية والنظام في هذا البلد، وترى ضرورة تبديل هذا النظام، لكنها لا تأخذ موقفاً موحداً من مصر، وجماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس، وتركيا.
فدولة قطر ليست على وفاق مع مصر، ولكنها تدافع عن “الإخوان المسلمين”، وترتبط بعلاقات قوية مع تركيا. وللسعودية والإمارات علاقات وتعاملات عميقة مع مصر، وتأخذ من تركيا موقفاً حذراً، لكنهما يناصبان “الإخوان المسلمين” العداء.
لم يؤثر هذا التباين في المواقف السياسية حتى الآن على تطور العلاقات الاقتصادية، ولا على وحدة الموقف داخل منظمة “أوبك”، لكنه قد يصل إليها عاجلاً أم آجلاً، فالاتفاقات السعودية المهمة مع الولايات المتحدة، واحتمال الدخول في اتفاقات مع روسيا، قد يدفع دولاً أخرى إلى حماية نفسها من توقيع اتفاقات مشابهة مع مجموعات دول أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، أو تركيا، وقد يفضي بعضها إلى التصالح بشكل واضح مع إسرائيل.
وقد تؤدي مثل هذه التحالفات الاستراتيجية الجديدة إلى مزيد من التنافس الاقتصادي والسياسي والتجاري بين الدول الأعضاء في المجلس، ويخلق وتائر جديدة من علاقات بعض دول الخليج مع الدول العربية.
إذا تطورت الأمور بهذا الشكل، ومالت كل دولةٍ إلى تفضيل مصالحها على حساب اتفاقاتها مع باقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون، فقد نرى بدايةً للتناحر الاقتصادي، وصعوداً في هذه المنافسة الضارة.
لابد من إصلاح العلاقات بين الدول. فالخلاف الجاري حالياً بين الدول الأعضاء حول ما نسب من تصريحاتٍ لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والتي نفتها قطر رسمياً، قد يفضي إلى ما هو أسوأ، إن لم تتدارك الدول هذه المشكلة.
مجلس التعاون هو المثال الإقليمي الوحيد الباقي على نجاح مثل هذه التجربة في الوطن العربي. وقد استطاع تجاوز كل الأزمات. فهل سيتجاوز أزمته الحالية؟ الجواب الذي يعطينا إياه الماضي يعطينا قدراً من الطمأنينة.
العربي الجديد