بعد كل جولة من مؤتمر “أستانة” يخرج المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا ليخبر السوريين والعالم بأن هناك جولة جديدة من مفاوضات جينيف ستبدأ بعد أيام قليلة, فبعد انتهاء النسخة الرابعة من مؤتمر أستانة والذي تمخض عنه إنشاء أربع مناطق لتخفيف التصعيد في سورية, تفصلنا أيام قليلة عن بدء جولة جديدة تحمل الرقم ستة على صعيد مؤتمرات جينيف, لا شيء جديد سوى المراوحة بالمكان وتغيير الأرقام وتبادل المنصات والطاولات ما بين عسكرة أستانة وسياسة جينيف كما يعتقد السوريون ظاهرياً بعد تجربة مريرة مع هكذا نوع من المؤتمرات..
حيث أعلنت الأمم المتحدة عن عقد الجولة السادسة من محادثات السلام السورية, الأسبوع المقبل, في 16 مايو الجاري بجنيف, وتزامنت دعوة الأمم المتحدة مع عقد اجتماع خاص ضم مسؤولين من الدول الرئيسية المشاركة في التحالف الدولي ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” في كوبنهاغن لتقييم الخطوات التالية التي من شأنها توسيع دائرة الحرب ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسورية.
وقال مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان ديمستورا مساء أول أمس, إنه من المقرر أن تبدأ جولة جديدة من محادثات السلام السورية التي ترعاها الأمم المتحدة الأسبوع المقبل في جينيف, وأشارت الأمم المتحدة, في بيان, إلى أن ديمستورا سيستأنف المحادثات بين السوريين بجينيف في 16 مايو 2017.
ربط الأحداث:
الدعوة إلى عقد مؤتمر جينيف ليس شيئاً جديداً فنحن نواجه النسخة السادسة من هذا المؤتمر, وفي كل مرة ينجح النظام السوري في المماطلة وإفشال الاجتماع عن طريق المراوغة وخلط الأوراق, لكن الجديد في هذا المؤتمر هو التغيير الملحوظ في المناخ السياسي الدولي وطرق التعامل والتعاطي مع الأزمة السورية..
حيث أتى هذا الإعلان بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق استانة بين روسيا وإيران وتركيا, في العاصمة الكازخستانية أستانة, يقضي بإنشاء مناطق لتخفيف التصعيد بناء على مقترح روسي, على غير العادة بين قوات النظام السوري والفصائل المسلحة التابعة للمعارضة, تهدف إلى تعزيز وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في ديسمبر الماضي..
والشيء اللافت للأمر هو الحماس الكبير الذي أبداه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا لنتائج مؤتمر أستانة4 واصفاً إياه ب “الخطوة الإيجابية المهمة والواعدة في الإتجاه الصحيح” لتخفيف التصعيد, في حين أعربت الولايات المتحدة الامريكية عن توجسها وعدم ارتياحها لاعتبار إيران طرفاً ضامنا لوقف إطلاق النار وراعيا أساسياً لمذكرة التفاهم..
شكلت الضربات الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات التابع للنظام في أعقاب مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام بحق المدنيين في مدينة خان شيخون الواقعة في ريف إدلب الجنوبي في الرابع من شعر أبريل الماضي, حدثاً بارزاً ساهم في تعديل قواعد اللعبة في سورية, حيث تصاعدت نبرة الخطاب الأمريكية تجاه معاقبة النظام السوري, وبدأ المسؤولون الامريكيون الحديث عن ضرورة رحيل الأسد من جديد, وأعلنوا عن خطة قريبة تهدف إلى إقامة مناطق آمنة في سورية والعمل على إزاحة الأسد بالتوازي مع الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية..
شكلت عودة الولايات المتحدة الأمريكية للعب دور اكثر فاعلية فيما يخص الأزمة السورية, ضغطاً واضحا على روسيا التي مازالت متمسكة ببقاء النظام السوري, إلا أن الأخيرة لجأت إلى أسلوب آخر من نوع جديد وهو تحويل مركز ثقل عملياتها تجاه الشرق السوري, سيما وأن الحديث عن بدء تدخل أمريكي من الجنوب على الحدود الأردنية بدأ يأخذ طريفه بقوة إلى وسائل الإعلام العالمية, لذلك كان لابد لروسيا من أن تعيد حساباتها من أجل عدم السماح لواشنطن بالإستفراد بالشرق السوري المليء بالثروات لوحدها, وهذا ما دفع العديد من المحللين السياسيين والعسكريين لتوقع بدء صراع طويل الأمد بين نفوذ كل من هاتين الدولتين على الأرض السورية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب, وهذا ما يفسر لنا رغبة روسيا في إقامة مناطق تخفيض للتوتر وتعليق طلعاتها الجوية فوق بعض المناطق, بمعنى آخر أن الأزمة السورية أصبحت رهينة التفاهمات الروسية الأمريكية بامتياز, وربما تكون الاستانة هي مجرد لعبة مؤقتة ليس أكثر..
قد تؤثر هذه المعطيات الجديدة بصورة أو بأخرى على نتائج مؤتمر جينيف6 المرتقب, لكنها لن تغير من الواقع شيء, فحدود التصورات لحل الازمة والتي يتبناها النظام السوري تبقى كما هي, إلا إذا كان للروس الذين يؤثرون على قرار النظام رأي آخر, تماشياً مع المعطيات الجديدة التي تشهدها الساحة الدولية, وخصوصاً أن هناك من يقتنع بفكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعطي لروسيا الفرصة الأخيرة للحل في سورية, وأن الخطة الأمريكية للإستفادة من نتائج ست سنوات من الصراع المستمر بدأت تاخذ طريقها إلى مجال التنفيذ, لذلك لن تتعنت روسيا كثيراً في جينيف وربما تضغط على النظام لتلافي فوات الأوان, ولكنها لن تضحي بمكتسباتها بعد أكثر من عامين من تدخلها في سورية, وستبقى ترواغ في الميدانين السياسي والعسكري..
المركز الصحفي السوري- حازم الحلبي.