هل يمكن القول: إن “حزب الله” هو “الوريث الشرعي للوصاية السورية” على لبنان، وإنه يتصرف كما كانت تتصرف تلك الوصاية وإن بأسلوب مختلف؟! فالوصاية السورية أوجدت لها حلفاء في لبنان يطالبون ببقائها إلى أن يصبح لبنان قادرًا على حفظ الأمن بقواته الذاتية، وإلى أن يتم تنفيذ اتفاق الطائف تنفيذًا كاملًا، فابتدع هؤلاء الحلفاء لبلوغ هذه الغاية عبارة أن وجود الجيش السوري في لبنان هو “شرعي وضروري ومؤقت”. وصارت هذه العبارة تَرِد في كل البيانات الوزارية، ووصاية “حزب الله” أوجدت لها حلفاء في لبنان منضوين في تكتُّل قوى 8 آذار وبورقة تفاهم تحوّلت إلى تكامل بين الحزب و”التيار الوطني الحر”، بحيث بات ما يصيب أحدهما يصيب الآخر. ويعيش الحزب بسلاحه تحت شعار “الجيش والشعب والمقاومة” المطلوب إيراده في كل بيان وزاري، كما عاش الوجود العسكري السوري 30 عامًا بشعار “شرعي وضروري ومؤقت”.
الواقع أنه منذ عام 2005 وبعد خروج القوات السورية من لبنان وانتهاء زمن الوصاية عليه، يرى نائب “قواتي” أن “حزب الله” حلّ مكانها بقوّة سلاحه، مع فارق أن الوصاية السورية كانت تعيّن رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومة، وتضع قانون الانتخاب الذي يؤمِّن الفوز للمرشحين الموالين لها؛ لأنها كانت قادرة على ذلك، في حين أن وصاية “حزب الله” اعتمدت أسلوبًا آخر هو “التعطيل” بدل “التعيين”. فعندما لم يتمكّن الحزب من عرقلة إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان عمد إلى سحب وزرائه من الحكومة لعل ذلك يفرض استقالتها، لكن الحكومة استمرت وإن من دون تمثيل شيعي فيها؛ فاعتبرت غير ميثاقية، وقفل مجلس النواب أبوابه في وجهها ورفض تسلّم أي مشروع يحال منها عليه، إلى أن رد الحزب على قرار نقل رئيس جهاز أمن المطار ووقف مدّ شبكة الهاتف الخاصة به في الشارع، فكانت أحداث 7 أيار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة. وقد صار اتفاق فيه على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، وإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدلًا. لكن “حزب الله” أطاح الحكومة باستقالة الوزراء الذين يمثلون قوى 8 آذار، خلافًا لاتفاق الدوحة، ولم يعترف بنتائج الانتخابات النيابية التي فاز فيها مرشحو قوى 14 آذار بالأكثرية النيابية، معتبرًا أنها أكثرية نيابية وليست أكثرية شعبية… وصار تأليف الحكومات خاضعًا لشروط الحزب، وأهمها أن تكون حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها قوى 8 آذار بالثلث المعطل الذي سمّاه الحزب “الشراكة الوطنية”، وإلا فلا حكومة؛ ما جعل تشكيل كل حكومة يحتاج إلى أشهر عدة للتوصل إلى اتفاق على تشكيلها، بحيث يمكن القول إن نصف ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان مضى في أزمات تشكيل الحكومات.
واليوم يجد الحزب نفسه مرتاحًا إلى وضعه، فلا انتخاب رئيس للجمهورية إلا إذا كان مقبولًا منه، والمقبول منه هو العماد ميشال عون. وإذا كان الشغور الرئاسي يُخيف قوى 14 آذار فلتقبل بـ”عون” رئيسًا للجمهورية أو بمن يسميه الحزب و”عون” رئيسًا. ولا يهم الحزب، سواء جرت انتخابات نيابية أو لم تُجْرَ، واستمر التمديد لمجلس النواب حتى حزيران 2017، ما دام يضمن فوز مرشحيه في الانتخابات على أساس أي قانون، فإذا فاز مع حلفائه بأكثرية المقاعد النيابية استطاع عندئذ أن يحكم وحده، وتصبح الديمقراطية العدديّة مقبولة وإن في ظل الطائفية. وإذا لم يَفُزْ بها، فإنه يمنع الأكثرية التي تفوز بها قوى 14 آذار من أن تشكِّل حكومة إلا إذا كانت الأقلية ممثلة فيها؛ حرصًا على “الوحدة الوطنية”، وعلى الديمقراطية التوافقية التي وحدها تطبق في ظلّ الطائفية… ولا انتخاب لرئيس جمهورية إلا بشروط الحزب، وأول شروطه الإبقاء على سلاحه ليبقى دولة داخل الدولة.
وهكذا يضع الحزب قوى 14 آذار مرّة أخرى بين خيارين: سيئ وأسوأ. إما القبول بالعماد عون رئيسًا، وإما استمرار الشغور الرئاسي إلى أن يصير اتفاق على قانون للانتخابات يرضى به الحزب وحلفاؤه، وإلا فلا انتخابات رئاسية ولا انتخابات نيابية، وليكن الفراغ الشامل هو الحاكم.
لقد أعلن العماد عون بوضوح وصراحة أن مجلس النواب الحالي إذا لم ينتخبه رئيسًا فلن يكون شرعيًّا؛ لأنه يعيش على التمديد، وإذا انتخبه يصبح شرعيًّا، وذلك خضوعًا منه لقرار المجلس الدستوري. وإلا فلتكن الانتخابات النيابية قبل الرئاسية؛ لأن نتائجها هي التي تعبّر تعبيرًا صحيحًا عن إرادة الشعب، وليس المجلس الحالي الذي انتهت ولايته، والتمديد له يتعارض وهذه الإرادة، ومن الآن إلى أن يصير اتفاق على هذا القانون تبقى رئاسة الجمهورية شاغرة، ومجلس النواب يعيش على التمديد إلى أجلٍ غير معروف، وحكومة التناقضات تعيش إلى ما شاء “حزب الله”!!