خيبة أمل واضحة سادت أوساط القادة الأوروبيين نتيجة امتناع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن تفعيل شرط الدفاع الجماعي لدول حلف شمال الأطلسي “الناتو”, وجاءت خيبة الأمل هذه فور إنهاء الرئيس ترامب جولته الأوربية – الشرق أوسطية وعودته إلى البيت الأبيض بعد أن اجتمع مع القادة الأوروبيين في بروكسل منذ عدة أيام, والأكثر من ذلك قيام ترامب بمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة المجتمعين في بروكسل لعدم إنفاقهم ما يكفي على الدفاع, وبمعنى آخر حمّل ترامب مسؤولية تراجع الدور الفعال لحلف الناتو في حل المشاكل الدولية للأوروبيين فقط, في حين رفع المسؤولية عن بلاده بشكل كامل, وقد انعكس ذلك في حالة من عدم الارتياح بين زملائه رؤساء الدول, ما يؤكد توتر العلاقات الأمريكية الأوروبية منذ أن تولى ترامب منصبه..
خطاب ترامب للأوروبيين:
جاء في خطاب ترامب الموجه لقادة الناتو:
“إن ما يجري غير منصف لدافع الضرائب الأمريكي”, وأضاف أن “العديد من هذه الدول مدينة بمبالغ ضخمة من الأموال خلال السنوات الماضية للحلف, ولم تدفع شيئاَ حتى الآن في ما يتعلق بتلك السنوات”..
كان هذا التصريح الذي جاء على لسان ترامب بمثابة “العصا” التي ضربت “رأس” العلاقات الوطيدة بين الولايات المتحدة وشركائها الاوروبيين داخل الحلف, خصوصاً وأن هناك بعض الساسة من الأوروبيين الذين وصفوها “بالبلطجة” الأمريكية تجاه دول أوروبا, بعد ان اتهمها ترامب علانية بالتخلف عن دفع مستحقات مالية للحلف, لكنها تدفع لمنظمات كالأمم المتحدة..
أزمة الدفع داخل الناتو:
في الوقت الحالي، لا يلتزم بدفع مساهماتهم سوى خمسة من أعضاء الناتو الـ28، هم: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبولندا واستونيا واليونان، حيث يخصصون 2% من إجمالي الناتج المحلي، وفقاً لما هو منصوص عليه في اتفاقية الحلف. وشكل عدم الالتزام هذا شرخاً في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الحلف لعقود من الزمن، إلا أن انتقادات ترامب اثارت جدلاً جديداً بعد تساؤله عن قيمة التحالف، وإشادته علناً بالعدو الجيوسياسي التقليدي لحلف الناتو، وهو روسيا، خلال حملته الرئاسية.
وذكر ترامب أنه على اتصال “مباشر جداً” مع الأمين العام لحلف شمال الاطلسي، ينس ستولتنبرغ، وقادة آخرين حول المزيد من الإنفاق على نفقات الدفاع.
وقال: “يجب ان ندرك أنه مع هذا التأخر في سداد الالتزامات والتهديدات المتزايدة فإن 2% من إجمالي الناتج المحلي هي في حد ذاتها غير كافية لسد ثغرات التحديث والاستعداد وحجم القوات”.
وفي إشارة حاسمة أخرى، رفض ترامب التأكيد صراحة على قيمة الدفاع الجماعي كما ورد في المادة “5” للناتو، التي تشكل محور وحدة وردع الحلف منذ تأسيسه في عام 1949، حيث تنص على أن جميع أعضاء الناتو يجب عليهم مساعدة أي عضو تعرض للهجوم على الفور، ومن المفارقات أن ترامب أدلى بهذه التصريحات أمام نصب تذكاري لهجمات 11 سبتمبر 2001 وهي الحالة الوحيدة التي احتاج فيها الحلف لتفعيل المادة “5” للمساعدة على الدفاع عن مسقط رأس ترامب.
حقيقة مخاوف الأوربيين:
موقف ترامب الاخير قد يثير شكوك حلفاء الولايات المتحدة الذين يشعرون بالفعل بأن واشنطن لن تأتي للدفاع عنهم في حال وقوع هجوم.
وفي الوقت الذي تحدث ترامب عن تهديد الإرهاب، لم يتطرق للتهديد الروسي الذي كان ضرورياً من أجل تهدئة مخاوف الحلفاء، وهو ما يعتبر خطأ آخر ارتكبه ترامب. وتشعر دول بحر البلطيق، على وجه الخصوص، بالقلق إزاء حشود القوات العسكرية الروسية التي يمكن أن تكتسحها، وكانت تأمل في الالتزام الأميركي بالدفاع عنها، لكنها تشعر الآن بخيبة أمل. ويقول المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) “ديريك تشوليت”، الذي يعمل الآن في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة: “إن الولايات المتحدة قصرت بالتأكيد في ما كان يأمل الأوروبيون في سماعه”. مضيفاً: “هؤلاء هم الحلفاء القلقون للغاية بشأن مستقبلهم، الذين يشعرون بأن التهديد الروسي هو تهديد لوجودهم، ويعيشون مع هذا التهديد كل يوم”.
وانتقد الخبراء والمسؤولون الأميركيون السابقون تجاهل ترامب لهذه الحقائق.
ويقول الخبير في الحلف، “خورخي بينيتيز”:
“إن سلوك ترامب في اجتماع الناتو الذي انعقد في بروكسل يعتبر فوزاً كاسحاً لبوتين”. وأضاف أنه “لم يفعل سوى إثارة مزيد من شكوك ومخاوف حلفائنا”.
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.