لم تكن دموع سعد الحريري وصوته المتقطع وهو يستعير من والده بيان عزوفه عن الحياة السياسية أقل أثراً من وقع كلماته، فلم يكن أحد يتوقع من سعد الحريري الذي ترأس الحكومة اللبنانية ثلاث مرات أن ينسحب بسهولة مع فريق تيار المستقبل من الحياة السياسية الرسمية في لبنان وهو الذي عاصر منحنيات وتجاذبات الصراع مع المحور الإيراني في لبنان حزب الله وحركة أمل.
انتظر الحريري 17 عاماً ليوقن أن دبلوماسيته مع محور إيران لن تخرج بلبنان من عنق زجاجة الحرب الأهلية ولن تدفع بالطرف الآخر بالتحديد حزب الله إلى تفضيل انتمائه للبنان على انتماءه لطهران.. فعلى حد تعبيره في مؤتمره “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
يأتي انسحاب الحريري في وقت مفصلي يقدم لبنان فيه على انتخابات نيابية وفق قانون الانتخابات الجديد وعليه ستتحدد موازين القوة للأحزاب السياسية كما سيقوم البرلمان الجديد بانتخاب رئيس له وانتخاب رئيس جمهورية.
فهل كان عزوف الحريري عن الحياة السياسية وسط التحشيد الطائفي والحزبي بلبنان قفز من السفينة الغارقة التي لا ينفع معها الإصلاح والترقيع أم هي قراءة واعية لصيرورة الأحداث العالمية والإقليمية التي تنبئ بمواجهة شاملة طرفاها الغرب وحلفائه الإقليميين في الخليج العربي مقابل روسيا وإيران ومن يدور في فلكها من قوى طائفية عراقية وسورية ولبنانية ويمنية.
قال سعد الحريري الذي ورث المنصب السياسي بعد اغتيال والده في 2005 أن التسويات التي عقدها في الماضي جاءت على حسابه الشخصي ودفع أثمان خياراته من أجل أن يكون صماماً يمنع الحرب الأهلية مثل زيارته لسوريا ولقائه مع المتهم بقتل والده بشار الأسد وقبوله برئاسة عون ومن ورائه صهره جبران باسيل وأخيراً اضطراره للاستقالة في مشهد دراماتيكي غامض في الرياض ثم تقديمه لاستقالة حكومته الثالثة على وقع التظاهرات في 2019.
آخر من نطق به الحريري باكيا: “قد يكون أفضل الكلام في هذه اللحظة ما قاله رفيق الحريري في بيان عزوفه قبل 17 عاما: “أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب
وأعبر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي في الفترة الماضية