فرُّوا من بلدهم المشتعلة بنار الحرب, التي لم تنطفئ منذ خمس سنوات حتى الآن, حتى طالت أقدامهم العديد من البلدان حول العالم وخصوصا بلدان القارة الأوروبية العجوز, إنهم اللاجئين السوريين الذين هُجِّروا من أرضهم رغما عنهم, تتسابق مراكز الأبحاث اليوم لتقدم الدراسات المختلفة عن أوضاعهم وأحوالهم المعيشية والحالة النفسية التي وصلوا إليها بعد معاناة طويلة مع الظروف القاسية, التي بدأت مع نشوب الحرب واستمرت مع استمرار النزوح واللجوء والهجرة.
حيث طالبت مجلة “الطبيب” الألمانية بتحسين الرعاية الصحية للَّاجئين السوريين, وذلك بعد أن استشهدت بدراسة “هولندية” تقول أن استعداد اللّاجئين للانتحار يزيد عشر مرات عن المعدل الطبيعي, وقد وجهت المجلة في أحد مقالاتها نداءً للحكومة الألمانية وطالبتها فيه بتحسين الخدمات الطبية للّاجئين الذين يجري تجميعهم في القاعات الرياضية والمخيمات التي أقيمت على عجل, ونقلت المجلة تحذير “الجمعية الألمانية للوقاية من الانتحار” من انتشار الأمراض النفسية وصدمات ما بعد الحروب والكوارث بين اللّاجئين, وبين الأطفال على وجه الخصوص.
أما الدكتورة “مريام شولر-أوساك” رئيسة الأطباء في مستشفى “شاريتيه” برلين والمختصة في أمراض الهجرة, عبرت عن أسفها في مؤتمر صحافي, عن عدم وجود دراسات علمية في ألمانيا حول أمراض اللّاجئين وخصوصا الأمراض النفسية التي تتمثل بانتشار ظاهرة تنامي الرغبة بالانتحار بشرائحهم المختلفة, معززة كلامها بذات الدراسة الهولندية التي أثبتت أن استعداد اللاجئ للانتحار في المنفى يعادل عشرة أضعاف نزوع مواطنه المقيم في وطنه.
وتضيف د.شولر عضو الهيئة العليا لنقابة الأطباء النفسيين الألمان, أن الكثيرين من اللاجئين السوريين باتوا يعانون اضطرابات نفسية شديدة ناجمة عن صدمات الحروب الأهلية في بلدهم.
تضاف إليها مآسي ومخاطر اجتياز البحار بالقوارب والحدود مشياً على الأقدام, والترهيب الذي يتعرضون إليه من قبل مهربي البشر, أما بعد الوصول إلى ألمانيا فإن تلك المعاناة النفسية لن تتوقف بل ستزيد مع الإحساس الدائم بفقدان الهوية والهوية الثقافية, علاوة عن فقدان الأصدقاء والبعد عن الأهل والتطلُّع إلى المجهول إلى ثم تليها انبثاق مشاكل اللغة وتعليم الأطفال والعيش في المخيمات.
أما بالنسبة للنساء, فمن الممكن أن تعاني بعضهن من حوادث التحرش وقد تصل إلى الاغتصاب, وبالمقابل ينحو الذكور نحو اكتئاب قد يقود إلى الانتحار, فنسبة الانتحاريين اللاجئين الذكور أكثر بكثير منها بين النساء بحسب الدراسة الهولندية آنفة الذكر.
ويقول أحد الشبان السوريين اللّاجئين في “ألمانيا”: “كنت أعتقد أنني سوف أعيش هنا براحة بال وصفاء ذهن بعيدا عن الضغوط النفسية التي كنت أواجهها في بلدي جرّاء ظروف الخوف المتراكمة, لكنني تفاجأت بعذاب يكاد أن يمزق قلبي نتيجة للضغط النفسي الناجم عن ظروف الإقامة المؤقتة في المخيمات, وضعف الرعاية الصحية وخصوصا النفسية, ثم التنقل الدائم بين المخيمات, والاستجواب أثناء معاملة تقديم اللجوء, والعيش الجماعي مع الآخرين دون حرية شخصية, والشعور بالعزلة والتوحد, كل تلك الظروف مجتمعة تشكِّل ضغوطا نفسية قاتلة تزيد من فرصة تفكيري بالانتحار”.
وحيث يعيش الآلاف من السوريين في معسكر سابق للجيش الألماني قرب العاصمة البافارية “ميونيخ”, أجريت دراسة طبية لهؤلاء اللّاجئين, توصلت إلى أن ثلث الاطفال يعانون من اضطرابات نفسية, سببها الحرب ومآسيها وشملت الدراسة “100” طفل وظهر أن “30” بالمئة منهم يعانون أيضا أمراضا جسدية تتمثل بتنخُّر الاسنان وبعض أمراض الجهاز التنفسي والمعوي.
ولكن الرقم الأبرز والمخيف الذي ركزت عليه تلك الدراسة هو عدد القاصرين تحت “18” سنة, الذين وصلوا إلى ألمانيا بمفردهم , وقد بلغ هذا الرقم “41” ألف قاصر, ومن المحتمل أن ذويهم يرسلونهم بمفردهم بسبب قصر ذات اليد ولإنقاذهم من مصير قد يبدو غامضاً في بلدهم الأم.
إذا لم تنته المعاناة النفسية عند السوريين المهاجرين, بل من المحتمل أن تزيد وتتفاقم ولسان حالهم يقول:
“لا توجد جنة على الارض تضاهي جنة العيش الآمن في الوطن”.
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود.