استخدم الغرب إحدى أبرز الوسائل الكفيلة بإحراج روسيا وحربها الجارية في سوريا، وخصوصا مساهمتها القوية في تدمير حلب ومساعدة النظام السوري من أجل استعادة السيطرة عليها من خلال إعلام قوي لكبريات الصحف تتهم روسيا الى جانب الديبلوماسية الاوروبية بارتكابها جرائم حرب في سوريا. والاتهام نفسه يسري بالنسبة الى النظام السوري، إلا أن التركيز هو على روسيا بحيث لا يعتقد ان النظام وحلفاءه على الارض يستطيعون استعادة حلب من دون الغطاء الجوي الروسي، وفق ما أظهرت محاولات عدة لهم في هذا الاطار خلال العام الماضي. ووازت هذه السياسة أو واكبتها مواقف تساهم في عزل روسيا في المجتمع الدولي، على غرار إلغاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند استقبالا للرئيس الروسي في فرنسا كان مقررا في 19 من الجاري على خلفية انتقاد فرنسا مساهمة روسيا في قصف حلب ومواقف اميركية واوروبية ديبلوماسية حادة لم تنجح الديبلوماسية الروسية التي رمت الكرة في ملعب ما سمته رعاية اميركا لـ”جبهة النصرة”، لرفض واشنطن الفصل بين المعارضين في حلب، في ان تبرر قصف المدينة وتدميرها بذريعة ان هناك فصائل مصنفة ارهابية في المدينة. ومع ان بعض الديبلوماسيين يعتبرون ان حركة هولاند تتصل باعتبارات فرنسية داخلية من ضمن الانتخابات التي يتم الاستعداد لها، ودفاعا عن موقف فرنسا دوليا إزاء سوريا، باعتبار ان اتصالا هاتفيا جرى بين هولاند وبوتين وميركل حول سوريا لاحقا، فإن ذلك محرج للرئيس الروسي الذي كان يستعد لزيارة فرنسا ورعاية افتتاح كنيسة هناك. حتى ان استخدام روسيا للفيتو على مشروع القرار الفرنسي الرامي الى وقف الحرب على حلب، كان نقطة لم تصب في مصلحة روسيا، علما أنه الفيتو الخامس الذي تستخدمه موسكو حماية للنظام في سوريا، مما دفع الامور في اتجاهين، أحدهما مبادرة سعودية – قطرية تمثلت في توجيه رسالة الى الجمعية العمومية تطالب بحماية المدينة والمدنيين، والثاني مشروع قرار اعدته نيوزيلندا ووزعته على اعضاء مجلس الامن يدعو الى وقف كل الهجمات، فيما وجهت كندا وليشتنشتاين خطابا الى رئيس الجمعية العمومية تطلبان فيه عقد جلسة خاصة الاسبوع المقبل لمناقشة الوضع المتدهور في سوريا. وفي غضون ذلك، أعلن عن إجراء محادثات دولية حول سوريا في سويسرا غدا السبت، تجمع الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف ووزراء خارجية عدد من الدول الاقليمية، قبل ان يعقد اجتماع آخر في لندن الاحد لمجموعة أصدقاء سوريا.
هل فات الوقت على إنقاذ حلب؟
الواقع أن كل المواقف الديبلوماسية في مجلس الامن قد لا تكون مجدية عملانيا، لأن أي مشروع في مجلس الامن يمكن ان يقابله فيتو روسي، فيما قرارات الجمعية العمومية غير ملزمة، حتى لو نالت إجماعا كليا من كل الدول، في حين ان اتهام روسيا بجرائم الحرب جنبا الى جنب مع النظام السوري يفترض ان يؤدي بهما الى المحكمة الجنائية الدولية، فيما ليس هناك آلية تؤدي الى ذلك. فالمجتمع الدولي محرج لجهة إظهار عجزه عن وقف العنجهية الروسية الداعمة لوحشية نظام بشار الاسد في قصف المدن وحصارها. ويتوقع ديبلوماسيون متابعون ألا تكون الاجتماعات المرتقبة نهاية هذا الاسبوع سوى محاولة من موسكو لكسر عزلتها، وسعي الى إظهار رغبتها في وقف الحرب، وتاليا دحض الاتهامات التي توجه اليها، في حين أن الديبلوماسية الاميركية محرجة بإنهاء أوباما ولايته، في ظل انطباع بأنها استسلمت كليا لروسيا في سوريا وسلمتها الوضع هناك نتيجة سلبية الادارة الحالية. وإذا لم تشارك ايران ايضا في الاجتماعات، في الوقت الذي ستشارك فيه السعودية وتركيا وربما دول اقليمية أخرى، فمن غير المرتقب أن يكتسب البحث عن حل، بعدا شموليا، حتى لو كان الامر سيقتصر على وقف النار. وإذ استبق الرئيس الروسي الاجتماع المرتقب غدا بالاعلان انه يصعب التحاور مع الادارة الاميركية الحالية، فإنما يشي ذلك بالنسبة الى الديبلوماسيين المعنيين بأنه من غير المتوقع ان يعطي بوتين ادارة راحلة اي شيء، وان كل من يكون مكانه سيقوم بالمثل، خصوصا لجهة محاولة فرض أمر واقع في سوريا يصعب على الادارة الاميركية المقبلة عدم أخذه في الاعتبار، خصوصا إذا كانت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون هي من ستفوز في الانتخابات الرئاسية الاميركية، وما اتخذته من مواقف من موضوع سوريا يمكن اعتبارها متقدمة على ادارة الرئيس الحالي. وتقول مصادر ديبلوماسية أخرى إن رفع بعض الدول سقف التهديدات أمام روسيا التي دعت مثلا الى عدم تزويد المعارضة السورية مضادات للطائرات، يوحي ان هذا الاحتمال وضع على الطاولة في حال عدم توقف روسيا عن تأمين غطاء جوي للنظام يمكن ان ينجح، باعتبار ان روسيا تعرف جيدا ان استعادة السيطرة على حلب تقوي أوراق بشار الاسد، لكن لا تنهي الحرب، في حين يمكن ان تستعر هجمات انتقامية ضد روسيا كما حصل في افغانستان. أضف الى ذلك أن أساليب المواجهة لا تقتصر على دعم المعارضة السورية، بل ان هناك مصالح نفطية ومصالح استراتيجية يمكن استخدامها كضغوط تحول دون سقوط حلب التي تبقي التوازن الاقليمي قائما رمزيا بحد معقول في فترة الفراغ المتصلة بزمن الانتخابات الرئاسية الاميركية. إلا أن التقاط روسيا اقتراح الموفد الدولي الى سوريا ستافان دو ميستورا حول استعداده لمرافقة عناصر النصرة الى خارج حلب تفاديا لتدميرها ربما يكون ما يلوي ذراع واشنطن والدول الاخرى من اجل المساومة على وقف قصف حلب، فيكون الغرب أنقذ ماء وجهه.
روزانا بومنصف_النهار